الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب) . قال الحسن: هم اليهود والنصارى ، فأما آيات الله . فقال ابن عباس: هي القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم . وأما الشهيد ، فقال ابن قتيبة: هو بمعنى الشاهد ، وقال الخطابي: هو الذي لا يغيب عنه شيء ، كأنه الحاضر الشاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن) . قال مقاتل: دعت اليهود حذيفة ، وعمار بن ياسر ، إلى دينهم ، فنزلت هذه الآية . وفي المراد بأهل الكتاب هاهنا قولان . أحدهما: أنهم اليهود والنصارى ، قاله الحسن . والثاني: اليهود . قاله زيد بن أسلم ، ومقاتل . قال ابن عباس لم تصدون عن سبيل الله: الإسلام ، والحج . وقال قتادة: لم تصدون عن نبي الله ، وعن الإسلام . قال السدي: كانوا إذا سئلوا: هل تجدون محمدا في كتبكم؟ قالوا: لا . فصدوا عنه الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (تبغونها) ، قال اللغويون: الهاء كناية عن السبيل ، والسبيل يذكر ويؤنث . وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                      فلا تبعد فكل فتى أناس سيصبح سالكا تلك السبيلا



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 430 ] ومعنى "تبغونها": تبغون لها ، تقول العرب: ابغني خادما ، يريدون: ابتغه لي ، فإذا أرادوا: ابتغ معي ، وأعني على طلبه ، قالوا: ابغني ، ففتحوا الألف ، ويقولون: وهبتك درهما ، كما يقولون: وهبت لك . قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      فتولى غلامهم ثم نادى     أظليما أصيدكم أم حمارا



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: أصيد لكم ومعنى الآية: يلتمسون لسبيل الله الزيغ والتحريف ، ويريدون رد الإيمان والاستقامة إلى الكفر والاعوجاج . ويطلبون العدول عن القصد ، هذا قول الفراء ، والزجاج ، واللغويين . قال ابن جرير: خرج هذا الكلام على السبيل ، والمعنى لأهله ، كأن المعنى: تبغون لأهل دين الله ، ولمن هو على سبيل الحق عوجا . أي: ضلالا . قال أبو عبيدة: العوج بكسر العين ، في الدين ، والكلام ، والعمل ، والعوج بفتحها ، في الحائط والجذع . وقال الزجاج: العوج بكسر العين: فيما لا ترى له شخصا ، وما كان له شخص قلت: عوج بفتحها ، تقول: في أمره ودينه عوج ، وفي العصا عوج . وروى ابن الأنباري عن ثعلب قال: العوج عند العرب بكسر العين: في كل ما لا يحاط به ، والعوج بفتح العين في كل ما لا يحصل ، فيقال: في الأرض عوج ، وفي الدين عوج ، لأن هذين يتسعان ، ولا يدركان . وفي العصا عوج ، وفي السن عوج . لأنهما يحاط بهما ، ويبلغ كنههما . وقال ابن فارس: العوج بفتح العين: في كل منتصب ، كالحائط . والعوج: ما كان في بساط أو أرض ، أو دين ، أو معاش .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (وأنتم شهداء) فيه قولان . أحدهما: أن معناه ، وأنتم شاهدون بصحة ما صددتم عنه ، وبطلان ما أنتم فيه ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، وقتادة والأكثرين . والثاني: أن معنى الشهداء هاهنا: العقلاء ، ذكره القاضي أبو يعلى في آخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية