الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4593 ) فصل : والأولى أن لا يستوعب الثلث بالوصية وإن كان غنيا ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : والثلث كثير } . قال ابن عباس : { لو أن الناس غضوا من الثلث ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الثلث كثير } . متفق عليه . وقال [ ص: 57 ] القاضي ، وأبو الخطاب : إن كان غنيا استحب الوصية بالثلث . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد { : والثلث كثير } . مع إخباره إياه بكثرة ماله ، وقلة عياله ، فإنه قال في الحديث : " إن لي مالا كثيرا ، ولا يرثني إلا ابنتي " . وروى سعيد ثنا خالد بن عبد الله ، ثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن سعد بن مالك ، قال : { مرضت مرضا ، فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : أوصيت ؟ . فقلت : نعم . أوصيت بمالي كله للفقراء وفي سبيل الله . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوص بالعشر . فقلت : يا رسول الله ، إن مالي كثير . وورثتي أغنياء . فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقصني وأناقصه ، حتى قال : أوص بالثلث ، والثلث كثير } . وقال أبو عبد الرحمن : لم يكن أحد منا يبلغ في وصيته الثلث حتى ينقص منه شيئا ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { الثلث ، والثلث كثير } . إذا ثبت هذا ، فالأفضل للغني الوصية بالخمس . ونحو هذا يروى عن أبي بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما . وهو ظاهر قول السلف ، وعلماء أهل البصرة . ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه شيخ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا شيخ كبير ، ومالي كثير ، ويرثني أعراب موالي كلالة ، منزوح نسبهم ، أفأوصي بمالي كله ؟ قال : لا . قال : فلم يزل يحط حتى بلغ العشر . وقال إسحاق : السنة الربع ، إلا أن يكون رجلا يعرف في ماله حرمة شبهات أو غيرها ، فله استيعاب الثلث . ولنا ، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بالخمس . وقال : رضيت بما رضي الله به لنفسه . يعني قوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } ، وروي أن أبا بكر وعليا رضي الله عنهما ، أوصيا بالخمس . وعن علي رضي الله عنه أنه قال : لأن أوصي بالخمس ، أحب إلي من الربع . وعن إبراهيم ، قال : كانوا يقولون : صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث ، وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع . وعن الشعبي قال : كان الخمس أحب إليهم من الثلث ، فهو منتهى الجامح . وعن العلاء بن زياد قال : أوصى أبي أن أسأل العلماء ، أي الوصية أعدل ؟ فما تتابعوا عليه فهو وصيته ، فتتابعوا على الخمس .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية