الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: جنات عدن بدل اشتمال، وجوز أن يكون نصبا على المدح، وجعله الزمخشري عطف بيان لحسن مآب، وعدن قيل من الأعلام الغالبة غلبة تقديرية، ولزوم الإضافة فيها أو تعريفها باللام أغلبي، كما صرح به ابن مالك في التسهيل، وجنات عدن كمدينة طيبة، لا كإنسان زيد، فإنه قبيح، وقيل: العلم مجموع جنات عدن وهو أيضا من غير الغالب لأن المراد من الإضافة التي تعوضها العلم بالغلبة إضافة تفيده تعريفا، وعلى القولين هو معين فيصلح للبيان، لكن تعقب ذلك أبو حيان بأن للنحويين في عطف البيان مذهبين، أحدهما أن ذلك لا يكون إلا في المعارف فلا يكون عطف البيان إلا تابعا لمعرفة، وهو مذهب البصريين، والثاني أنه يجوز أن يكون في النكرات، فيكون عطف البيان تابعا لنكرة كما تكون المعرفة فيه تابعة لمعرفة، وهذا مذهب الكوفيين، وتبعهم الفارسي، وأما تخالفهما في التنكير والتعريف، فلم يذهب إليه أحد سوى الزمخشري كما قد صرح به ابن مالك في التسهيل، فهو بناء للأمر على مذهبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب آخرون أن عدنا مصدر عدن بمكان كذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر ولا علمية ولا نقل هناك، ومعنى جنات عدن جنات استقرار وثبات، فإن كان عطف بيان فهو على مذهب الكوفيين والفارسي.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الغريب ما أخرجه ابن جرير ، عن ابن عباس قال: سألت كعبا عن قوله تعالى: جنات عدن فقال: جنات [ ص: 213 ] كروم وأعناب بالسريانية، وفي تفسير ابن جرير أنه بالرومية، وقوله تعالى: مفتحة لهم الأبواب إما صفة لجنات عدن، وإليه ذهب ابن إسحاق وتبعه ابن عطية ، أو حال من ضميرها المستتر في خبر إن، والعامل فيه الاستقرار المقدر أو نفس الظرف، لتضمنه معناه، ونيابته عنه، وإليه ذهب الزمخشري، ومختصرو كلامه، أو حال من ضميرها المحذوف مع العامل لدلالة المعنى عليه، والتقدير يريد خلوها مفتحة، وإليه ذهب الحوفي، و"الأبواب " نائب فاعل مفتحة عند الجمهور، والرابط العائد على الجنات محذوف تقديره الأبواب منها، واكتفى الكوفيون عن ذلك بأل لقيامها مقام الضمير، فكأنه قيل: مفتحة لهم أبوابها، وذهب أبو علي إلى أن نائب فاعل مفتحة ضمير الجنات، والأبواب بدل منه بدل اشتمال كما هو ظاهر كلام الزمخشري ، ولا يصح أن يكون بدل بعض من كل، لأن أبواب الجنات ليست بعضا من الجنات على ما قال أبو حيان . وقرأ زيد بن علي ، وعبد الله بن رفيع، وأبو حيوة "جنات عدن مفتحة" برفعهما على أنهما خبران لمحذوف، أي هو أي المآب جنات عدن مفتحة لهم أبوابه، أو هو جنات عدن هي مفتحة لهم أبوابها، أو على أنهما مبتدأ وخبر.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه ارتباط الجملة بما قبلها أنها مفسرة لحسن المآب لأن محصلها جنات أبوابها فتحت إكراما لهم، أو هي معترضة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية