الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 319 ] آ. (11) قوله: تؤمنون : لا محل له لأنه تفسير لتجارة. ويجوز أن يكون محلها الرفع خبرا لمبتدأ مضمر أي: تلك التجارة تؤمنون، والخبر نفس المبتدأ فلا حاجة إلى رابط، وأن تكون منصوبة المحل بإضمار فعل أي: أعني تؤمنون. وجاز ذلك على تقدير "أن" وفيه تعسف. والعامة على "تؤمنون" خبرا لفظا ثابت النون. وعبد الله "آمنوا" و"جاهدوا" أمرين. وزيد بن علي "تؤمنوا" و"تجاهدوا" بحذف نون الرفع. فأما قراءة العامة فالخبر بمعنى الأمر يدل عليه القراءتان الشاذتان; فإن قراءة زيد بن علي على حذف لام الأمر أي: لتؤمنوا ولتجاهدوا كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4259 - محمد تفد نفسك كل نفس . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا في وجه، أي: لتفد، وليقيموا، ولذلك جزم الفعل في جوابه في قوله: "يغفر" وكذلك قولهم: "اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه"، تقديره: ليتق الله. وقال الأخفش: "إن "تؤمنون" عطف بيان لتجارة". وهذا لا يتخيل إلا بتأويل أن يكون الأصل: أن تؤمنوا فلما حذف "أن" ارتفع الفعل كقوله: [ ص: 320 ]

                                                                                                                                                                                                                                      4260- ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      الأصل: أن أحضر. وكأنه قيل: هل أدلكم على تجارة منجية: إيمان وجهاد. وهو معنى حسن لولا ما فيه من التأويل. وعلى هذا فيجوز أن يكون بدلا من تجارة. وقال الفراء : هو مجزوم على جواب الاستفهام وهو قوله: "هل أدلكم" واختلف الناس في تصحيح هذا القول: فبعضهم غلطه. قال الزجاج: ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا، يعني أنه ليس مرتبا على مجرد الاستفهام ولا على مجرد الدلالة. وقال المهدوي: إنما يصح حملا على المعنى: وهو أن يكون "يؤمنون" ويجاهدون عطف بيان على قوله: "هل أدلكم" كأن التجارة لم يدر ما هي؟ فبينت بالإيمان والجهاد، فهي هما في المعنى فكأنه قيل: هل تؤمنون وتجاهدون؟ قال: فإن لم تقدر هذا التقدير لم يصح; لأنه يصير: إن دللتم يغفر لكم. والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة. وقال الزمخشري قريبا منه أيضا. وقال أيضا: "إن "تؤمنون" استئناف، كأنهم قالوا: كيف نعمل؟ فقال: تؤمنون". وقال ابن عطية: "تؤمنون فعل مرفوع، تقديره: ذلك [ ص: 321 ] أنه تؤمنون"، فجعله خبرا لـ "أن"، وهي وما في حيزها خبر لمبتدأ محذوف. وهذا محمول على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب، فإنه لا حاجة إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية