الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أتخذناهم سخريا بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل كما قرأ بذلك الحجازيان، وابن عامر ، وعاصم ، وأبو جعفر ، والأعرج ، والحسن ، وقتادة ، استئناف لا محل له من الإعراب، قالوه حيث لم يروهم معهم إنكارا على أنفسهم، وتأنيبا لها في الاستسخار منهم، وقوله تعالى: أم زاغت عنهم الأبصار متصل بقوله تعالى: ما لنا لا نرى إلخ، وأم فيه متصلة، وتقدم ما فيه معنى الهمزة يغني عن تقدمها على ما يقتضيه كلام الزمخشري ، والمعنى: ما لنا لا نراهم في النار، أليسوا فيها، فلذلك لا نراهم، بل أزاغت عنهم أبصارنا، فلا نراهم، وهم فيها، أو بقوله تعالى: أتخذناهم إلخ، وأم فيه إما متصلة أيضا، والمقابلة باعتبار اللازم، والمعنى أن الأمرين فعلنا بهم، الاستسخار منهم، أم الازدراء بهم، وتحقيرهم، وإن أبصارنا تعلو عنهم، وتقتحمهم على معنى إنكار الأمرين جميعا على أنفسهم، وعن الحسن : كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم، وإما منقطعة كأنهم أضربوا عن إنكار الاستسخار، وأنكروا على أنفسهم أشد منه، وهو أنهم جعلوهم محقرين لا ينظر إليهم بوجه، وفي زاغت دون أزغنا مبالغة عظيمة، كأن العين بنفسها تمجهم لقبح منظرهم، وأين هذا من السخر، فقد يكون المسخور منه محبوبا مكرما.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون معنى (أم زاغت) على الانقطاع بل زاغت أبصارنا، وكلت أفهامنا حتى خفي عنا مكانهم، وأنهم على الحق المبين. وقرأ النحويان، وحمزة "اتخذناهم" بغير همزة، فجوز أن تكون مقدرة لدلالة أم عليها، فتتحد القراءتان، وأن لا تكون كذلك ويكون الكلام إخبارا، فقال ابن الأنباري: الجملة حال أي: وقد اتخذناهم، وجوز كونها مستأنفة لبيان ما قبلها. وقال الزمخشري وجماعة: صفة ثانية لرجالا،" وأم زاغت" متصل بقوله تعالى: ما لنا لا نرى إلخ، كما سمعت أولا.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن تكون أم فيه منقطعة، كأنهم أضربوا عما قبل، وأنكروا على أنفسهم ما هو أشد منه، أو أضربوا عن ذلك إلى بيان أن ما وقع منهم في حقهم كان لزيغ أبصارهم، وكلال أفهامهم عن إدراك أنهم على الحق بسبب رثاثة حالهم، وقرأ عبد الله وأصحابه، ومجاهد ، والضحاك ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي "سخريا" بضم السين، ومعناه على ما في البحر من السخرة، والاستخدام، ومعنى سخريا بالكسر على المشهور من السخر وهو الهزء، وهو معنى ما حكي عن أبي عمرو قال: ما كان من مثل العبودية فسخري بالضم، وما كان من مثل الهزء فسخري بالكسر، وقيل:

                                                                                                                                                                                                                                      هو بالكسر من التسخير.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية