الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 167 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( 5 ) )

يقول - تعالى ذكره - : الله هو الذي يدبر الأمر من أمر خلقه من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إليه .

واختلف أهل التأويل في المعني بقوله : ( ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) فقال بعضهم : معناه : أن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض ، ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد ، وقدر ذلك ألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا ؛ لأن ما بين الأرض إلى السماء خمسمائة عام ، وما بين السماء إلى الأرض مثل ذلك ، فذلك ألف سنة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عمرو بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد ( في يوم كان مقداره ألف سنة ) يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد وذلك مقداره ألف سنة ؛ لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم ) من أيامكم ( كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) يقول : مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا خمسمائة سنة نزوله ، وخمسمائة صعوده فذلك ألف سنة .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ( ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) قال : تعرج الملائكة إلى السماء ، ثم تنزل في يوم من أيامكم هذه ، وهو مسيرة ألف سنة .

قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن سماك ، عن عكرمة ( ألف سنة مما تعدون ) قال : من أيام الدنيا .

حدثنا هناد بن السري قال : ثنا أبو الأحوص ، عن أبي الحارث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم ) من أيامكم هذه ، مسيرة ما بين السماء إلى الأرض خمسمائة عام . [ ص: 168 ]

وذكر عن عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : تنحدر الأمور وتصعد من السماء إلى الأرض في يوم واحد ، مقداره ألف سنة ، خمسمائة حتى ينزل ، وخمسمائة حتى يعرج .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إليه في يوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهن الخلق ، كان مقدار ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( ألف سنة مما تعدون ) قال : ذلك مقدار المسير قوله : ( كألف سنة مما تعدون ) قال : خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وكل يوم من هذه كألف سنة مما تعدون أنتم .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) قال : الستة الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) يعني : هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهن السموات والأرض وما بينهما .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض بالملائكة ، تم تعرج إليه الملائكة ، في يوم كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ) قال : هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا غندر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة ( في يوم كان مقداره ألف سنة ) قال : ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة مما تعدون [ ص: 169 ] من أيام الآخرة .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : ( يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) قال : ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا ، ثم يعرج إليه ذلك التدبير الذي دبره .

ذكر من قال ذلك :

ذكر عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه قال : يقضى أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة ثم كذلك حتى تمضي ألف سنة ، ثم يقضى أمر كل شيء ألفا ، ثم كذلك أبدا ، قال : ( يوم كان مقداره ) قال : اليوم أن يقال لما يقضى إلى الملائكة ألف سنة : كن فيكون ، ولكن سماه يوما ، سماه كما بينا كل ذلك عن مجاهد قال : وقوله : ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) قال : هو هو سواء .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إلى الله في يوم كان مقداره ألف سنة ، مقدار العروج ألف سنة مما تعدون .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) قال بعض أهل العلم : مقدار ما بين الأرض حين يعرج إليه إلى أن يبلغ عروجه ألف سنة ، هذا مقدار ذلك المعراج في ذلك اليوم حين يعرج فيه .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه ، ونزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم ، خمسمائة في النزول ، وخمسمائة في الصعود ؛ لأن ذلك أظهر معانيه ، وأشبهها بظاهر التنزيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية