الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4621 ) مسألة : قال : ( فإن مات قبل أن يقبل أو يرد ، قام وارثه في ذلك مقامه ، إذا كان موته بعد موت الموصي ) اختلف أصحابنا فيما إذا مات الموصى له قبل القبول والرد ، بعد موت الموصي ، فذهب الخرقي إلى أن وارثه يقوم مقامه في القبول والرد ; لأنه حق ثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته ، لقوله عليه السلام { : من ترك حقا فلورثته } . وكخيار الرد بالعيب ، وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن الوصية تبطل ; لأنه عقد يفتقر إلى القبول ، فإذا مات من له القبول قبله ، بطل العقد ، كالهبة . قال القاضي : هو قياس المذهب ; لأنه خيار لا يعتاض عنه ، فبطل بالموت ، كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة . وقال أصحاب الرأي : تلزم الوصية في حق الوارث ، وتدخل في ملكه حكما بغير قبول ; لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي ، وإنما الخيار للموصى له ، فإذا مات ، بطل خياره ، ودخل في ملكه ، كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له ، فمات قبل انقضائه . ولنا ، على أن الوصية لا تبطل بموت الموصى له ، أنها عقد لازم من أحد الطرفين ، فلم تبطل بموت من له الخيار ، كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ، ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له ، فلا يبطل بموت الآخر ، كالذي ذكرنا . ويفارق الهبة والبيع قبل القبول ، من الوجهين اللذين ذكرناهما ، وهو أنه جائز من الطرفين ، ويبطل بموت الموجب له ، ولا يصح قياسه على الخيارات ; لأنه لم يبطل الخيار ، ويلزم العقد ، فنظيره في مسألتنا قول أصحاب الرأي . ولنا ، على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول المتملك ، فلم يلزم قبل القبول ، كالبيع والهبة . إذا ثبت هذا ، فإن الوارث يقوم مقام الموصى له في القبول والرد ; لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت ، قام الوارث فيه مقامه . فعلى هذا ، إن رد الوارث الوصية بطلت ، وإن قبلها صحت ، وثبت الملك بها . وإن كان الوارث جماعة ، اعتبر القبول أو الرد من جميعهم ، فإن رد بعضهم وقبل بعض ، ثبت للقابل حصته ، وبطلت الوصية في حق من رد . فإن كان فيهم من ليس من أهل التصرف ، قام وليه مقامه في القبول والرد ، وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه الحظ فيه ، فإن فعل غيره لم يصح ، فإذا كان الحظ في قبولها فردها ، لم يصح رده ، وكان له [ ص: 70 ] قبولها بعد ذلك . وإن كان الحظ في ردها فقبلها ، لم يصح قبوله ; لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولى عليه بغير ما له الحظ فيه . فلو أوصى لصبي بذي رحم له يعتق بملكه له ، وكان على الصبي ضرر في ذلك ، بأن تلزمه نفقة الموصى به ، لكونه فقيرا لا كسب له ، والمولى عليه موسر ، لم يكن له قبول الوصية ، وإن لم يكن عليه ضرر لكون الموصى به ذا كسب ، أو كون المولى عليه فقيرا لا تلزمه نفقته ، تعين قبول الوصية ; لأن في ذلك نفعا للمولى عليه ، لعتق قرابته ، وتحريره ، من غير ضرر يعود عليه ، فتعين ذلك . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية