الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4625 ) مسألة : قال : ( وإذا أوصى له بسهم من ماله ، أعطي السدس ، وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى ، يعطى سهما مما تصح منه الفريضة ) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله ، فيما لو أوصى بسهم ، فروي عنه ، أن للموصى له السدس . وروي ذلك عن علي ، وابن مسعود ، رضي الله عنهما . وبه قال الحسن ، وإياس بن معاوية ، والثوري . والرواية الثانية ، أنه يعطى سهما مما تصح منه الفريضة ، فينظر ; كم سهما صحت منه الفريضة ، فيزاد عليها مثل سهم من سهامها للموصى له . وهذا قول شريح قال : ترفع السهام ، فيكون للموصى له سهم . قال القاضي : هذا ما لم يزد على السدس فإن زاد السهم على السدس ، فله السدس ; لأنه متحقق . ووجه ذلك أن قوله : سهما . ينبغي أن ينصرف إلى سهام فريضته ; لأن وصيته منها ، فينصرف السهم إليها ، فكان واحدا من سهامها ، كما لو قال : فريضتي كذا وكذا سهما ، لك منها سهم . وقال الخلال وصاحبه : له أقل سهم من سهام الورثة ; لأن أحمد قال ، في رواية أبي طالب والأثرم : إذا أوصى له بسهم من ماله ، يعطى سهما من الفريضة . قيل : له نصيب رجل ، أو نصيب امرأة ؟ قال : أقل ما يكون من السهام . قال القاضي : ما لم يزد على السدس . وهذا قول أبي حنيفة . وقال صاحباه : إلا أن يزيد على الثلث ، فيكون له الثلث . ووجه هذا القول ، أن سهام الورثة أنصباؤهم ، فيكون له أقلها ; لأنه اليقين ، فإن زاد على السدس دفع إليه السدس ; لأنه أقل سهم يرثه ذو قرابة ، وقال أبو ثور : يعطى سهما من أربعة وعشرين ; لأنها أكثر أصول الفرائض ، فالسهم منها أقل السهام . وقال الشافعي ، وابن المنذر : يعطيه الورثة ما شاءوا ; لأن ذلك يقع عليه اسم السهم ، فأشبه ما لو أوصى له بجزء أو حظ . وقال عطاء ، وعكرمة : لا شيء له . ولنا ، ما روى ابن مسعود { ، أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس } . ولأن السهم في كلام العرب السدس ، قال إياس بن معاوية : السهم في كلام العرب السدس . فتنصرف الوصية إليه ، كما لو لفظ به . ولأنه قول علي وابن مسعود ، ولا مخالف لهما في الصحابة ، ولأن السدس أقل سهم مفروض يرثه ذو قرابة ، فتنصرف الوصية إليه . إذا ثبت هذا ، فإن السدس الذي يستحقه الموصى له يكون بمنزلة سدس مفروض . فإن كانت المسألة كاملة الفروض ، أعيلت به ، وإن كانت عائلة ، زاد عولها به . وإن كان فيها رد أو كانوا عصبة ، أعطي سدسا كاملا . قال أحمد ، في رواية ابن منصور ، وحرب : إذا أوصى الرجل بسهم من ماله ، يعطى السدس ، إلا أن تعول الفريضة ، فيعطى سهما مع العول . فكأن معنى الوصية ، أوصيت لك بسهم من يرث السدس . فلو أوصى له بسهم في مسألة فيها زوج وأخت ، كان له السبع ، كما لو كان معهما جدة ، على الروايات الثلاث . وكذلك لو كان في المسألة أم وثلاث أخوات متفرقات . فإن كان معهم زوج ، فالمسألة من تسعة ، وللموصى له العشر ، على الروايات الثلاث . وإن كان الورثة ثلاث أخوات [ ص: 74 ] متفرقات ، فللموصى له السدس على الروايات الثلاث . وإن كانوا زوجا وأبوين وابنين ، فالمسألة من خمسة عشر ، وتعول بسدس آخر ، فتصير من سبعة عشر . وكذلك على قول الخلال ; لأن أقل سهام الورثة سدس . وعلى الرواية الأخرى ، يكون للوصي سهم واحد ، يزاد على خمسة عشر ، فتصير ستة عشر . وإن كانوا زوجة وأبوين وابنا ، فالفريضة من أربعة وعشرين ، وتعول بالسدس الموصى به إلى ثمانية وعشرين . وعلى الرواية الثانية ، يزاد عليها سهم واحد للموصى له ، فتكون من خمسة وعشرين . وعلى قول الخلال : يزاد عليها مثل سهم الزوجة ، فتكون من سبعة وعشرين . وإن كانوا خمسة بنين فللوصي السدس كاملا ، وتصح من ستة على الروايات الثلاث . فإن كان معهم زوجة ، صحت الفريضة من أربعين ، فتزيد عليها سهما للوصي ، على إحدى الروايات ، تصير أحدا وأربعين . وعلى قول الخلال ، تزيد مثل نصيب الزوجة ، فتصير خمسة وأربعين . وعلى الرواية الأولى ، نزيد عليها مثل سدسها ، ولا سدس لها ، فنضربها في ستة ، ثم نزيد عليها سدسها ، تكون مائتين وثمانين ، للوصي أربعون ، وللزوجة ثلاثون ، ولكل ابن اثنان وأربعون . ولو خلف أبوين وابنين ، وأوصى لرجل بسدس ماله ، ولآخر بسهم ، جعلت ذا السهم كالأم ، وأعطيت صاحب السدس سدسا كاملا ، وقسمت الباقي بين الورثة والموصى له على سبعة فتصح من اثنين وأربعين ، لصاحب السدس سبعة ، ولصاحب السهم خمسة ، على الروايات الثلاث . ويحتمل أن يعطى ذو السهم السبع كاملا ، كأنه أوصى له من غير وصية أخرى ، فيكون له ستة ويبقى تسعة وعشرون على ستة لا تنقسم ، فنضربها في اثنين وأربعين ، تكون مائتين واثنين وخمسين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية