الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 69 ] يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون

                                                                                                                                                                                                                                      يوم تبيض وجوه أي: وجوه كثيرة وقرئ "تبياض". وتسود وجوه كثيرة. وقرئ "تسواد". وعن عطاء: "تبيض وجوه المهاجرين والأنصار وتسود وجوه بني قريظة والنضير"، و "يوم" منصوب على أنه ظرف للاستقرار في لهم، أي: لثبوت العذاب العظيم لهم أو على أنه مفعول لمضمر خوطب به المؤمنون تحذيرا لهم عن عاقبة التفريق بعد مجيء البينات وترغيبا في الاتفاق على التمسك بالدين، أي: اذكروا يوم تبيض إلخ... وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه. وقيل: يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك.فأما الذين اسودت وجوههم تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإشارة إليها إجمالا، وتقديم بيان هؤلاء لما أن المقام مقام التحذير عن التشبه بهم مع ما فيه من الجمع بين الإجمال والتفصيل والإفضاء إلى ختم الكلام بحسن حال المؤمنين كما بدئ بذلك عند الإجمال. أكفرتم بعد إيمانكم على إرادة القول أي: فيقال لهم ذلك، والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم، والظاهر أنهم أهل الكتابين وكفرهم بعد إيمانهم كفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إيمان أسلافهم أو إيمان أنفسهم به قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام أو جميع الكفرة حيث كفروا بعد ما أقروا بالتوحيد يوم الميثاق أو بعد ما تمكنوا من الإيمان بالنظر الصحيح والدلائل الواضحة والآيات البينة. وقيل: المرتدون. وقيل: أهل البدع والأهواء. والفاء في قوله عز وعلا: فذوقوا العذاب أي: العذاب المعهود الموصوف بالعظم للدلالة على أن الأمر بذوق العذاب على طريق الإهانة مترتب على كفرهم المذكور، كما أن قوله تعالى: بما كنتم تكفرون صريح في أن نفس الذوق معلل بذلك، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار كفرهم أو على مضيه في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية