الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (6) قوله: قوا أنفسكم : أمر من الوقاية فوزنه "عوا" لأن الفاء حذفت لوقوعها في المضارع بين ياء وكسرة، وهذا محمول عليه، واللام حذفت حملا له على المجزوم، بيانه أن أصله اوقيوا كاضربوا فحذفت الواو التي هي فاء لما تقدم، واستثقلت الضمة على الياء [ ص: 370 ] فحذفت، فالتقى ساكنان، فحذفت الياء وضم ما قبل الواو لتصح. وهذا تعليل البصريين. ونقل مكي عن الكوفيين: أن الحذف عندهم فرقا بين المتعدي والقاصر فحذفت الواو التي هي فاء في يقي ويعد لتعديهما، ولم تحذف من يوجل لقصوره. قال: "ويرد عليهم نحو: يرم فإنه قاصر ومع ذلك فقد حذفوا فاءه". قلت: وفي هذا نظر; لأن يوجل لم تقع فيه الواو بين ياء وكسرة لا ظاهرة ولا مضمرة. فقلت: "ولا مضمرة" تحرزا من يضع ويسع ويهب.

                                                                                                                                                                                                                                      و "نارا" مفعول ثان. و وقودها الناس صفة لـ "نارا" وكذلك "عليها ملائكة". ويجوز أن يكون الوصف وحده عليها و"ملائكة" فاعل به. ويجوز أن تكون حالا لتخصصها بالصفة الأولى وكذلك لا يعصون الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ بعضهم "وأهلوكم" وخرجت على العطف على الضمير المرفوع بـ "قوا" وجوز ذلك الفصل بالمفعول. قال الزمخشري - بعد ذكره القراءة وتخريجها-: فإن قلت: أليس التقدير: قوا أنفسكم، وليق أهلوكم أنفسكم؟ قلت: لا. ولكن المعطوف في التقدير مقارن للواو، و"أنفسكم" واقع بعده كأنه قيل: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم لما جمعت [ ص: 371 ] مع المخاطب الغائب غلبته [عليه] فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب. وتقدم الخلاف في واو "وقود" ضما وفتحا في البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ما أمرهم يجوز أن تكون "ما" بمعنى الذي، والعائد محذوف أي ما أمرهموه، والأصل: به. لا يقال: كيف حذف العائد المجرور ولم يجر الموصول بمثله؟ لأنه يطرد حذف هذا الحرف فلم يحذف إلا منصوبا، وأن تكون مصدرية، ويكون محلها بدلا من اسم الله بدل اشتمال، كأنه قيل: لا يعصون أمره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويفعلون قال الزمخشري : "فإن قلت: أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت: لا; لأن الأولى معناها: أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها، والثانية معناها: أنهم يؤدون ما يؤمرون به، لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية