الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              119 (باب الإيمان بالله أفضل الأعمال)

                                                                                                                              [وقال النووي: «باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال» وفي الباب أحاديث عن أبي هريرة، وأبي ذر، وابن مسعود رضي الله عنهم]- (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 72-73 جـ2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي ذر ، قال: قلت: يا رسول الله ! أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا، قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق، قال: قلت: يا رسول الله ! أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك. ]

                                                                                                                              [ ص: 120 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 120 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي ذر» رضي الله عنه. اختلف في اسمه: فالأشهر «جندب» بضم الدال. وفتحها (ابن جنادة) بضم الجيم؛ وقيل: اسمه «برير» مصغرا. قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله ) .

                                                                                                                              فيه تصريح بأن العمل يطلق على الإيمان، والمراد به والله أعلم. «الإيمان الذي يدخل به في ملة الإسلام» ؛ وهو التصديق بقلبه، والنطق بالشهادتين، فالتصديق عمل القلب. والنطق عمل اللسان.

                                                                                                                              ولا يدخل في الإيمان هاهنا الأعمال بسائر الجوارح، كالصوم والصلاة والحج والجهاد وغيرها، لكونه جعل قسيما للجهاد والحج، ولقوله صلى الله عليه وسلم «الإيمان بالله» وفي رواية «إيمان بالله ورسوله» ، ولا يقال هذا في الأعمال، ولا يمنع هذا من تسمية الأعمال المذكورة، إيمانا. «والجهاد في سبيله» .

                                                                                                                              قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها ) ، أي: أرفعها وأجودها. قال الأصمعي: «مال نفيس» أي: مرغوب فيه. «وأكثرها ثمنا» يعني: إذا أراد أن يعتق رقبة واحدة، أما إذا كان معه ألف درهم وأمكن أن يشتري بها رقبتين مفضولتين، أو رقبة نفيسة مثمنة. فالرقبتان أفضل.

                                                                                                                              وهذا بخلاف الأضحية، فإن التضحية بشاة سمينة، أفضل من التضحية بشاتين دونها في السمن.

                                                                                                                              «قال: قلت: فإن لم أفعل. قال: «تعين صانعا» من «الصنعة» . وروي [ ص: 121 ] صائغا» . من «الصياغ» ، والصحيح الأول، وروي «ضائعا» . قيل: صحفه هشام وإن كان المعنى من جهة معونة الضائع أيضا صحيحا.

                                                                                                                              لكن صحت الرواية بالصاد المهملة، «أو تصنع لأخرق» ، وهو الذي ليس بصانع. يقال: «رجل أخرق» ، «وامرأة خرقاء» لمن لا صنعة له. فإن كان صانعا حاذقا قيل: «رجل صنع، وامرأة صناع» ، بفتح الصاد.

                                                                                                                              (قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكف شرك عن الناس فإنها صدقة من على نفسك» .

                                                                                                                              وقد استشكل الجمع بين الأحاديث الواردة في «مسلم» في هذا الباب من حيث إنه جعل في هذا الحديث؛ الأفضل «الإيمان، والجهاد» ، وفي حديث أبي هريرة: «الإيمان بالله» ، ثم «الجهاد» ، ثم «الحج» ، وفي حديث ابن مسعود «الصلاة» ، ثم «بر الوالدين» ، ثم «الجهاد» ، وفي حديث ابن عمر، وفي جواب «أي الإسلام خير؟» «إطعام الطعام، وإقراء السلام على من عرف ومن لم يعرف» .

                                                                                                                              وصح في حديث عثمان: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» . وأمثال هذا في الصحيح كثيرة.

                                                                                                                              والجواب: أن ذلك جرى على حسب اختلاف الأحوال، والأشخاص. قاله: القفال. أو المراد «من أفضل الأعمال» فحذف «من» وهي مرادة.

                                                                                                                              وعلى الوجه الثاني يكون الإيمان أفضلها مطلقا. والباقيات متساوية في كونها من أفضل الأعمال والأحوال. ثم يعرف فضل بعضها على بعض بدلائل تدل عليها، وتختلف بأحوال الأشخاص والأحوال، كما حققنا [ ص: 122 ] ذلك في كتابنا «هداية السائل إلى أدلة المسائل» .

                                                                                                                              «وثم» هنا للترتيب في الذكر لا في الفعل.

                                                                                                                              وقال عياض: اختلف الجواب لاختلاف الأحوال. وهذا كالوجه الأول. قال: والوجه الثاني: أنه قدم الجهاد على الحج لأنه كان أول الإسلام، ومحاربة أعدائه والجد في إظهاره.




                                                                                                                              الخدمات العلمية