الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون

                                                          كانت سورة آل عمران مبينة لألوان الجهاد الذي يقوم به المؤمنون، ففيها جهاد بالحق والبرهان، وجهاد بالقتال وتحمل مرارة الهزيمة، ولذلك ختمها سبحانه بهذا النداء السامي الذي يجب أن يكون شعار كل مؤمن، وابتدأ النداء بـ " يا أيها الذين آمنوا " ؛ لإشعارهم بأن ما يطلب منهم هو من ثمرات الإيمان ومن مقتضياته، وقد أمر بأمور أربعة: الصبر، والمصابرة، والمرابطة، والتقوى. والصبر: معناه ضبط النفس عن أهوائها، وتحمل المكاره راضيا غير ساخط، والقيام بالطاعات على وجهها، وتجنب المعاصي، وتحمل آثار الهزيمة، والعمل على النهوض بعد الكبوة، وتحمل أذى الأعداء وسخريتهم، فالصبر معنى نفسي في الصابر يجعله يعلو على الحوادث والنوازل، ويستولي على نفسه، ويحملها على ما تحب وتكره، والصبر كما يكون في الفقر يكون في الغنى، وصبر الغني بقمع شهواته، وعدم البطر، وعدم الفرح المسرف الفاخر المستعلي. [ ص: 1561 ] والمصابرة هي المغالبة بالصبر، وهي تكون في الجهاد مع الأعداء في الملحمة، أو في المجادلة، أو في أي مغالبة على أي لون كانت، والمرابطة هي القيام على الثغور الإسلامية لحمايتها من الأعداء، فهي استعداد ودفاع وحماية للديار الإسلامية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " رباط يوم في سبيل الله خير عند الله من الدنيا وما عليها " ، وكان كبار الزهاد يرابطون نصف السنة، ويطلبون قوتهم بالعمل في النصف الآخر: والتقوى هي لب كل عمل صالح، وهي النية المحتسبة للخير، فالمرابطة والمصابرة إن لم تكن منبعثة من التقوى لإرضاء الله تعالى؛ فإنه لا خير فيها، وإن هذه الأمور الأربعة هي التي يرجى بها الفلاح، أي: الفوز في الدنيا والآخرة، ولذا قال سبحانه: " لعلكم تفلحون " أي: رجاء أن يكتب لكم الفوز بالنصر في الدنيا والجزاء في الآخرة. اللهم اكتبنا برحمتك في عبادك الفائزين برضاك.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية