الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من خالف أمر الملك جديرا بأن يحدث إليه أمر ينتقم به منه؛ فتشوف السامع لما كان من الملك إليه؛ استأنف البيان لذلك بقوله: قال ؛ وبين أنه بمحل البعد بقوله: يا ؛ وبين يأسه من [ ص: 422 ] الرحمة؛ وأنه لا جواب له أصلا؛ بتعبيره بقوله: إبليس ما أي؛ أي شيء؛ منعك أن تسجد ؛ وبين ما يوجب طاعته؛ ولو أمر بتعظيم ما لا يعقل؛ بقوله - معبرا بأداة ما لا يعقل عمن كان عند السجود له عاقلا؛ كامل العقل -: لما خلقت ؛ فأنا العالم به؛ وبما يستحقه؛ دون غيري؛ وما أمرت بالسجود له إلا لحكمة في الأمر؛ وابتلاء للغير؛ وأكد بيان ذلك بذكر اليد؛ وتثنيتها؛ فقال: بيدي ؛ أي: من غير توسط سبب من بين هذا النوع؛ وما ذاك إلا لمزيد اختصاص؛ والمراد باليد هنا صفة شريفة؛ غير النعمة؛ والقدرة؛ معلومة له - سبحانه -؛ ولمن تبحر في علمي اللغة؛ والسنة؛ خص بها خلق آدم - عليه السلام - تشريفا له؛ وفي تثنية اليد إشارة إلى أنه ربما أظهر فيه معاني الشمال؛ وإن كان كل من يديه مباركا؛ ثم قسم المانع إلى طلب العلو؛ ووجود العلو؛ مع الإنكار عليه في الاستناد إلى شيء منهما؛ فقال - في صيغة استفهام التقرير؛ مع الإنكار؛ والتقريع؛ بيانا لأنه يلزمه؛ لا محالة؛ زيادة على ما كفر به أن يكون على أحد هذين الأمرين -: أستكبرت ؛ أي: طلبت أن تكون أعلى منه؛ وأنت تعلم أنك دونه؛ فأنت بذلك ظالم؛ فكنت من المستكبرين؛ العريقين في وصف الظلم؛ فإن من اجترأ على أدناه؛ أوشك أن يصل إلى أعلاه؛ أم كنت ؛ أي: بما لك من الجبلة الراسخة؛ من العالين ؛ أي: الكبراء؛ المستحقين للكبر؛ وأنا لا أعلم ذلك؛ فنقصتك من منزلتك؛ فكنت جائرا في أمري [ ص: 423 ] لك بما أمرتك به؛ فلذلك علوت بنفسك فلم تسجد له؛ هذا المراد؛ لا ما يقوله بعض الملاحدة من أن العالين جماعة من الملائكة لم يسجدوا؛ لأنهم لم يؤمروا؛ لأن ذلك قدح في العموم المؤكد هذا التأكيد العظيم؛ وفي تفسير العلماء له من غير شبهة؛ والآية من الاحتباك: دل فعل الاستكبار أولا على فعل العلو ثانيا؛ ووصف العلو ثانيا على وصف الاستكبار أولا؛ وسر ذلك أن إنكار الفعل المطلق مستلزم لإنكار المقيد؛ لأنه المطلق بزيادة؛ وإنكار الوصف مستلزم لإنكار الفعل؛ لأنه جزؤه؛ مع أن إنكار الفعل من هذا مستلزم لإنكار الفعل من ذاك؛ فيكون كل من الفعلين مدلولا على إنكاره مرتين؛ تارة بإنكار فعل عديله؛ وأخرى بإنكار وصفه نفسه؛ والوصفان كذلك؛ وفعل الكبر أجدر بالإنكار من فعل العلو؛ و"أم"؛ معادلة لهمزة الاستفهام؛ وإن حذفت من قراءة بعضهم؛ لدلالة "أم" عليها؛ وإن اختلف الفعل؛ قال أبو حيان : قال سيبويه : تقول: "أضربت زيدا أم قتلته"؛ فالبدء هنا بالفعل أحسن؛ لأنك إنما تسأل عن أحدهما؛ لا تدري أيهما كان؛ ولا تسأل عن موضع أحدهما؛ كأنك قلت: "أي ذلك كان"؛ انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية