الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          395 - مسألة : ولا تحل الصلاة - للرجل خاصة - في ثوب فيه حرير أكثر من أربع [ ص: 355 ] أصابع عرضا في طول الثوب ، إلا اللبنة والتكفيف فهما مباحان ولا في ثوب فيه ذهب ، ولا لابسا ذهبا فيه خاتم ولا في غيره . فإن أجبر على لباس شيء من ذلك أو اضطر إليه خوف البرد : حل له الصلاة فيه . أو كان به داء يتداوى من مثله بلباس الحرير : فالصلاة له فيه جائزة وكذلك لو حمل ذهبا له في كمه ليحرزه ، أو حريرا أو ثوب حرير كذلك فصلاته تامة - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ومحمد بن المثنى ، وزهير بن حرب قالوا : ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الشعبي عن سويد بن غفلة : { أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع } . وبه إلى مسلم : ثنا شيبان بن فروخ ثنا جرير بن حازم ثنا نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا علي هو ابن المديني - ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي قال : سمعت [ ص: 356 ] ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن - عن حذيفة قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة ، وأن نأكل فيها ، وعن لبس الحرير والديباج ، وأن نجلس عليه } أخبرنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا عبد الرحمن بن أسد الكازروني ثنا الدبيري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها } . [ ص: 357 ] حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان بن مسلم ثنا قتادة أن أنس بن مالك أخبره { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا إليه عبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام : القمل ، فرخص لهما في قمص الحرير } . وبه إلى مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام في القمص الحرير لحكة كانت بهما أو وجع } . وبه إلى مسلم : ثنا يحيى بن يحيى ثنا خالد بن عبد الله هو الطحان - عن ابن جريج { عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق " أن أسماء أخرجت إليه جبة طيالسية كسروانية لها لبنة ديباج فرجاها مكنوفان بالديباج ، فقالت : هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة حتى قبضت فقبضتها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها } . ومس الحرير والذهب وملكهما وحملهما حلال بالنص والإجماع ، فإن قيل : قد روي لباس الخز عن بعض الصحابة رضي الله عنهم [ ص: 358 ] قلنا : قد جاء تحريمه عن بعضهم - : كما روينا : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهز جيشا فغنموا فاستقبلهم عمر فرآهم قد لبسوا أقبية الديباج ولباس العجم ، فأعرض عنهم وقال : ألقوا عنكم ثياب أهل النار فألقوها . وعن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر سمعت الشعبي يحدث عن سويد بن غفلة قال : أصبنا فتوحا بالشام فأتينا المدينة ، فلما دنونا لبسنا الديباج والحرير ، فلما رآنا عمر رمانا ، فنزعناها ، فلما رآنا قال : مرحبا بالمهاجرين إن الحرير والديباج لم يرض الله به لمن كان قبلكم ، فيرضى به عنكم ؟ لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا قال شعبة : أصبعين ، أو ثلاثا ، أو أربعا . وروينا عن أبي الخير : أنه سأل عقبة بن عامر الجهني عن لبنة حرير في جبته قال : ليس بها بأس وعن يزيد بن هارون : أنا هشام هو ابن حسان - عن حفصة بنت سيرين عن أبي ذبيان هو خليفة بن كعب - : { أن ابن عمر سمع الخبر في أن " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " فقال : إذن والله لا يدخلها ، قال تعالى : { ولباسهم فيها حرير } } [ ص: 359 ] وعن محمد بن المثنى : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن منصور هو ابن المعتمر - عن مجاهد قال : قال ابن عمر : اجتنبوا من الثياب ما خالطه الحرير وعن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن زبيد عن أبي بردة عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : من لبس ثوب حرير ألبسه الله تعالى ثوبا من نار ، ليس من أيامكم ولكن من أيام الله الطوال . وعن علي بن أبي طالب : أنه رأى رجلا لابسا جبة على صدرها ديباج فقال له علي : ما هذا النتن على صدرك وعن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال : كنت عند ابن مسعود فجاءه ابن له عليه قميص حرير فشقه ابن مسعود وعن ابن الزبير : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة فإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فالفرض الرد عند تنازعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر الله عز وجل ، وقد باع سمرة خمرا ، وأكل أبو طلحة البرد وهو صائم ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 360 ] ولا يصح في الرخصة في الثوب سداه حرير : خبر أصلا ، لأن الرواية فيه عن ابن عباس انفرد بها خصيف ، وهو ضعيف . فكيف وكل من روي عنه أنه لبس الخز من الصحابة رضي الله عنهم ليس في شيء من تلك الأخبار أنهم عرفوا أن سداها حرير . روينا عن شعبة عن عامر بن عبيدة الباهلي قال : رأيت على أنس جبة خز فسألته عن ذلك فقال : أعوذ بالله من شرها وعن معمر عن عبد الكريم الجزري قال : رأيت على أنس بن مالك جبة خز وكساء خز وأنا أطوف بالبيت مع سعيد بن جبير ، فقال سعيد بن جبير : لو أدركه السلف لأوجعوه . فهذا يوضح أن الصحابة كانوا يحرمون ذلك ، إذ لا يوجعون على مباح . وعن عبد الله بن شقيق أنه قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير أشد النهي " فقال له رجل : أليس هذا عليك حريرا فقال عبد الله : سبحان الله هذا خز ، قال : بلى ، ولكن سداه حرير ، قال : ما شعرت } . وعن عمر بن عبد العزيز : أنه أمر أن يتخذ له ثوب من خز سداه كتان . وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحو ذلك . ولا يخلو كل من روى عنه من الصحابة رضي الله عنهم أنه لبس من أحد وجوه ثلاثة : [ ص: 361 ] إما أن سدى تلك الثياب كان كتانا . وإما أنهم لم يعلموا أنه حرير ; وهذا هو الذي لا يجوز أن يظن بهم غيره . وإما أنهم استغفروا الله تعالى من لباسه ، فأقل يوم من أيامهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغطي على أضعاف هذا ، وليس غيرهم مثلهم ، فنصف مد شعير يتصدق به أحدهم يفضل جميع أعمال أحدنا لو عمر مائة سنة ; لأن نصف مد أحدهم أفضل من جبل أحد ذهبا ننفقه نحن في وجوه البر ; وما نعلم أحدا ينفق في البر زنة حجر ضخم من حجارة أحد فكيف الجبل كله - وبالله تعالى التوفيق . وأما من اضطر إليه خوف البرد فقد قال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه }

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية