الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (141) وقوله تعالى : وليمحص : معطوف على "ليعلم " وتكون الجملة من قوله : والله لا يحب الظالمين جملة معترضة بين هذه [ ص: 407 ] العلل . والتمحيص : التخليص من الشيء ، وقيل : المحص كالفحص ، ولكن الفحص يقال في إبراز شيء من أثناء ما يختلط به وهو منفصل ، والمحص يقال في إبرازه عما هو متصل به ، يقال : محصت الذهب ومحصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث . ومحص الثوب : إذا أزال عنه زئبره ، ومحص الحبل أي أخلق حتى ذهب عنه زئبره ، ومحص الظبي : عدا ، فمحص بالتخفيف يكون قاصرا ومتعديا ، هكذا روى الزجاج هذه اللفظة : "الحبل " ، ورواها النقاش : "محص الجمل " إذا ذهب وبره وأملس ، والمعنيان واضحان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الخليل : "التمحيص : التخليص من الشيء المعيب . وقيل : هو الابتلاء والاختبار " وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      1443 - رأيت فضيلا كان شيئا ملففا فكشفه التمحيص حتى بداليا



                                                                                                                                                                                                                                      وروى الواحدي عن المبرد بسند متصل : محص الحبل يمحص محصا إذا ذهب زئبره حتى تملص ، وحبل محيص ومليص بمعنى واحد . قال : "يستحب في الفرس أن تمحص قوائمه أي : تخلص ، وأنشد ابن الأنباري على ذلك يصف فرسا :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 408 ]

                                                                                                                                                                                                                                      1444 - صم النسور صحاح غير عاثرة     ركبن في محصات ملتقى العصب



                                                                                                                                                                                                                                      أي : في قوائم متجردات من اللحم ليس فيها إلا العظم والعصب والجلد . قال المبرد : " ومعنى قول الناس : "محص عنا ذنوبنا " أي أذهب ما تعلق بنا من الذنوب " . قال الواحدي : " وهذا الذي قاله المبرد تأويل المحص بفتح الحاء وهو واقع ، والمحص بسكون الحاء مصنوع ، قال الخليل : "يقال محصت الشيء أمحصه محصا إذا أخلصته من كل عيب " وفي جعله تسكين الحاء مصنوعا نظر ، لأن أهل اللغة نقلوه ساكنها ، وهو قياس مصدر الثلاثي . ومحصت السيف والسنان : جلوتهما حتى ذهب صدؤهما . قال أسامة الهذلي :


                                                                                                                                                                                                                                      1445 - وشقوا بممحوص السنان فؤاده      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      أي : بمجلو ، ومنه استعير ذلك في وصف الحبل بالملاسة والبريق . قال رؤبة يصف فرسا :


                                                                                                                                                                                                                                      1446 - شديد جلز الصلب ممحوص السوى



                                                                                                                                                                                                                                      والسواء : الظهر ، قصره ضرورة ، سمع : "فعلته حتى انقطع سواي " أي ظهري . وقد تقدمت مادة "محق " في البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية