الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع

                                                                                                                                                                                                        2087 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له وما تزهي قال حتى تحمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه قال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب قال لو أن رجلا ابتاع ثمرا قبل أن يبدو صلاحه ثم أصابته عاهة كان ما أصابه على ربه أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا الثمر بالتمر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع ) جنح البخاري في هذه الترجمة إلى صحة البيع وإن لم يبد صلاحه ، لكنه جعله قبل الصلاح من ضمان البائع ، ومقتضاه أنه إذا لم يفسد فالبيع صحيح وهو في ذلك متابع للزهري كما أورده عنه في آخر الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى تزهي ) قال الخطابي . هذه الرواية هي الصواب فلا يقال في النخل تزهو إنما يقال : تزهي لا غير . وأثبت غيره ما نفاه فقال : زها إذا طال واكتمل ، وأزهى إذا احمر واصفر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقيل : وما تزهي ) لم يسم السائل في هذه الرواية ولا المسئول أيضا ، وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بلفظ : " قيل : يا رسول الله ، وما تزهي؟ قال تحمر " وهكذا أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أيوب وأبو عوانة من طريق سليمان بن بلال كلاهما عن حميد وظاهره الرفع ورواه إسماعيل بن جعفر وغيره عن حميد موقوفا على أنس كما تقدم في الباب الذي قبله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرأيت إذا منع الله الثمرة الحديث ) هكذا صرح مالك برفع هذه الجملة ، وتابعه محمد بن عباد عن الدراوردي عن حميد مقتصرا على هذه الجملة الأخيرة ، وجزم [ ص: 466 ] الدارقطني وغير واحد من الحفاظ بأنه أخطأ فيه ، وبذلك جزم ابن أبي حاتم في " العلل " عن أبيه وأبي زرعة ، والخطأ في رواية عبد العزيز من محمد بن عباد ، فقد رواه إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي كرواية إسماعيل بن جعفر الآتي ذكرها . ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضل عن حميد فقال فيه " قال أفرأيت . . . إلخ " قال : فلا أدري أنس قال : " بم يستحل " أو حدث به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أخرجه الخطيب في " المدرج " ورواه إسماعيل بن جعفر عن حميد فعطفه على كلام أنس في تفسير قوله : " تزهي " وظاهره الوقف وأخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون والخطيب من طريق أبي خالد الأحمر كلاهما عن حميد بلفظ : " قال أنس أرأيت إن منع الله الثمرة " الحديث ، ورواه ابن المبارك وهشيم كما تقدم آنفا عن حميد فلم يذكر هذا القدر المختلف فيه ، وتابعهما جماعة من أصحاب حميد عنه على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وليس في جميع ما تقدم ما يمنع أن يكون التفسير مرفوعا ؛ لأن مع الذي رفعه زيادة على ما عند الذي وقفه ، وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قول من رفعه . وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ما يقوي رواية الرفع في حديث أنس ولفظه : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته عاهة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر يشترى بعد بدو صلاحه ثم تصيبه جائحة ، فقال مالك : يضع عنه الثلث ، وقال أحمد وأبو عبيد : يضع الجميع ، وقال الشافعي والليث والكوفيون : لا يرجع على البائع بشيء ، وقالوا : إنما ورد وضع الجائحة فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        واستدل الطحاوي بحديث أبي سعيد : " أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تصدقوا عليه . فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " أخرجه مسلم وأصحاب السنن ، قال : فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار وفيهم باعتها ولم يؤخذ الثمن منهم دل على أن الأمر بوضع الجوائح ليس على عمومه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : " بم يستحل أحدكم مال أخيه؟ " أي : لو تلف الثمر لانتفى في مقابلته العوض فكيف يأكله بغير عوض؟ وفيه إجراء الحكم على الغالب ؛ لأن تطرق التلف إلى ما بدا صلاحه ممكن ، وعدم التطرق إلى ما لم يبد صلاحه ممكن ، فأنيط الحكم بالغالب في الحالتين . قوله : ( وقال الليث : حدثني يونس . . . إلخ ) هذا التعليق وصله الذهلي في " الزهريات " وقد تقدم الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل بهذا وأتم منه ، والغرض منه هنا ذكر استنباط الزهري للحكم المترجم به من الحديث .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية