الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (142) قوله تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا : في "أم " هذه [ ص: 409 ] أوجه أظهرها : أنها منقطعة مقدرة بـ "بل " وهمزة الاستفهام ، ويكون معناه الإنكار . وقيل : "أم " بمعنى الهمزة وحدها ، ومعناه كما تقدم : التوبيخ والإنكار ، وقيل : هذا استفهام معناه النهي قاله أبو مسلم الأصفهاني . وقيل : هي متصلة . قال ابن بحر : "هي عديلة همزة تتقدر من معنى ما تقدم ، وذلك أن قوله : إن يمسسكم قرح وتلك الأيام نداولها إلى آخر القصة يقتضي أن يتبع ذلك : أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك أم حسبتم . و " حسب "هنا على بابها من ترجيح أحد الطرفين . و أن تدخلوا ساد مسد المفعولين على رأي سيبويه ومسد الأول ، والثاني محذوف على رأي الأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ولما يعلم جملة حالية . وقال الزمخشري : " ولما بمعنى "لم " إلا أن فيه ضربا من التوقع ، فدل على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل . وتقول : "وعدني أن يفعل كذا ولما " تريد : "ولم يفعل وأنا أتوقع فعله " . قال الشيخ : "وهذا الذي قاله في " لما " : أنها تدل على توقع الفعل المنفي بها فيما يستقبل لا أعلم أحدا من النحويين ذكره ، بل ذكروا أنك إذا قلت : " لما يخرج زيد "دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلا نفيه إلى وقت الإخبار ، أما أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا ، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئا يقارب ما قاله الزمخشري ، قال : " لما "لتعريض الوجود بخلاف " لم " " . قلت : "والنحويون إنما فرقوا بينهما من جهة أن المنفي بـ لم " هو فعل غير مقرون بـ "قد " و "لما " نفي له مقرونا بها ، وقد تدل على التوقع ، فيكون كلام الزمخشري صحيحا من هذه الجهة ، ويدل على [ ص: 410 ] ما قلته من كون "لم " لنفي فعل ، و "لما " لنفي قد فعل نص النحاة على ذلك : سيبويه فمن دونه . وقد تقدم نظير هذه الآية في البقرة وتحقيق القول فيها بما يغني عن إعادته فعليك بالالتفات إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : "منكم " حال من "الذين " . و ولما يعلم الله بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين . وقرأ النخعي وابن وثاب بفتحها . وفيها وجهان . أحدهما : أن الفتحة فتحة إتباع ، أتبع الميم للام قبلها والثاني : أنه على إرادة النون الخفيفة ، والأصل : "ولما يعلمن " والمنفي بـ لما قد جاء مؤكدا بها كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1447 - يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما



                                                                                                                                                                                                                                      فلما حذف النون بقي آخر الفعل مفتوحا كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1448 - لا تهين الفقير علك أن تر     كع يوما والدهر قد رفعه



                                                                                                                                                                                                                                      [وعليه تخرج قراءة : "ألم نشرح ] بفتح الحاء ، وقول الآخر :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 411 ]

                                                                                                                                                                                                                                      1449 - في أي يومي من الموت أفر     أيوم لم يقدر أم يوم قدر



                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " ويعلم "العامة على فتح الميم وفيها تخريجان ، أشهرهما : أن الفعل منصوب . ثم هل نصبه بـ " أن "مقدرة بعد الواو المقتضية للجمع كهي في قولك : " لا تأكل السمك وتشرب اللبن "أي : لا تجمع بينهما وهو مذهب البصريين ، أو بواو الصرف ، وهو مذهب الكوفيين ، يعنون أنه كان من حق هذا الفعل أن يعرب بإعراب ما قبله ، فلما جاءت الواو صرفته إلى وجه آخر من الإعراب . وتقرير المذهبين في غير هذا الموضوع .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن الفتحة فتحة التقاء ساكنين والفعل مجزوم ، فلما وقع بعده ساكن آخر احتيج إلى تحريك آخره فكانت الفتحة أولى لأنها أخف وللإتباع لحركة اللام ، كما قيل ذلك في أحد التخريجين لقراءة : ولما يعلم الله بفتح الميم ، والأول هو الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو حيوة بكسر الميم عطفا على " يعلم "المجزوم بـ " لم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء : " ويعلم "بالرفع ، وفيه وجهان ، أظهرهما : أنه مستأنف ، أخبر تعالى بذلك . وقال الزمخشري : " على أن الواو للحال ، كأنه [قال ] : ولما يجاهدوا وأنتم صابرون . قال الشيخ : "ولا يصح ما قال ، لأن واو الحال لا تدخل على المضارع ، [ ص: 412 ] لا يجوز : " جاء زيد ويضحك "وأنت تريد : جاء زيد يضحك ، لأن المضارع واقع موقع اسم الفاعل ، فكما لا يجوز " جاء زيد وضاحكا "كذلك لا يجوز : جاء زيد ويضحك ، فإن أول على أن المضارع خبر مبتدأ محذوف أمكن ذلك التقدير أي : وهو يعلم الصابرين كما أولوا قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      1450 - ... ... ... ...     نجوت وأرهنهم مالكا



                                                                                                                                                                                                                                      أي : وأنا أرهنهم " قلت : قوله : "لا تدخل على المضارع " هذا ليس على إطلاقه ، بل ينبغي أن يقول : على المضارع المثبت أو المنفي بـ "لا " لأنها تدخل على المضارع المنفي بـ لم ولما ، وقد عرف ذلك غير مرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية