الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (143) قوله تعالى : كنتم تمنون : قرأ البزي بخلاف عنه بتشديد تاء "تمنون " ، ولا يمكن ذلك إلا في الوصل ، وقاعدته أنه يصل ميم الجمع بواو ، وقد تقدم تحرير هذا عند قوله : ولا تيمموا الخبيث .

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في "تلقوه " فيه وجهان ، أظهرهما : عوده على الموت ، والثاني : عوده على العدو ، وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على كسر اللام من "قبل " ؛ لأنها معربة لإضافتها إلى أن وما في حيزها أي : من قبل لقائه . وقرأ مجاهد بن جبر : "من قبل " بضم اللام وقطعها عن الإضافة كقوله : لله الأمر من قبل ومن بعد ، وعلى هذا فـ "أن " وما في حيزها في محل نصب على أنها بدل اشتمال من الموت أي : [ ص: 413 ] تمنون لقاء الموت كقولك : "رهبت العدو لقاءه " . وقرأ الزهري والنخعي : "تلاقوه " ومعناه معنى "تلقوه " لأن "لقي " يستدعي أن يكون بين اثنين عادة وإن لم يكن على المفاعلة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فقد رأيتموه الظاهر أن الرؤية بصرية فتكفي بمفعول واحد ، وجوزوا أن تكون علمية فتحتاج إلى مفعول ثان هو محذوف أي : فقد علمتموه حاضرا أي : الموت ، إلا أن حذف أحد المفعولين في باب "ظن " ليس بالسهل ، حتى إن بعضهم يخصه بالضرورة كقول عنترة :


                                                                                                                                                                                                                                      1451 - ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم



                                                                                                                                                                                                                                      أي : فلا تظني غيره واقعا مني .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وأنتم تنظرون يجوز أن تكون حالية ، وهي حال مؤكدة رفعت ما تحتمله الرؤية من المجاز أو الاشتراك ، أي : بينهما وبين رؤية القلب ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، بمعنى : وأنتم تنظرون في فعلكم الآن بعد انقضاء الحرب هل وفيتم أو خالفتم ؟ وقال ابن الأنباري : "رأيتموه " أي : قابلتموه وأنتم تنظرون بعيونكم ، ولهذه العلة ذكر النظر بعد الرؤية حين اختلف معناهما ، لأن الأول بمعنى المقابلة والمواجهة ، والثاني : بمعنى رؤية العين "وهذا غير معروف عند أهل اللسان ، أعني إطلاق الرؤية على المقابلة والمواجهة ، وعلى تقدير صحته فتكون الجملة من قوله : وأنتم تنظرون جملة حالية مبينة لا مؤكدة ؛ لأنها أفادت معنى زائدا على معنى عاملها ، ويجوز أن يقدر [ ص: 414 ] لـ " ينظرون "مفعولا ، ويجوز ألا يقدر ، إذ المعنى : وأنتم من أهل النظر . والله تعالى أعلم ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية