الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أن تقول نفس في موضع المفعول له بتقدير مضاف ، وقدره الزمخشري كراهة وهو منصوب بفعل محذوف يدل عليه ما قبل أي أنذركم وآمركم بأحسن ما أنزل إليكم كراهة أن تقول ، ومن لا يشترط للنصب اتحاد الفاعل يجوز كون الناصب ( أنيبوا ) أو ( اتبعوا ) وأيا ما كان فهذه الكراهة مقابل الرضا دون الإرادة فلا اعتزال في تقديرها ، وهو أولى من تقدير مخافة كما فعل الحوفي حيث قال : أي أنذرناكم مخافة أن تقول ، وابن عطية جعل العامل ( أنيبوا ) ولم يقدر شيئا من الكراهة والمخافة حيث قال :

                                                                                                                                                                                                                                      أي أنيبوا من أجل أن تقول ، وذهب بعض النحاة إلى أن التقدير لئلا تقول وتنكير ( نفس ) للتكثير بقرينة المقام كما في قول الأعشى :


                                                                                                                                                                                                                                      ورب بقيع لو هتفت بجوه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا



                                                                                                                                                                                                                                      فإنه أراد أفواجا من الكرام ينصرونه لا كريما واحدا ، وجوز أن يكون للتبعيض لأن القائل بعض الأنفس واستظهره أبو حيان ، قيل : ويكفي ذلك في الوعيد لأن كل نفس يحتمل أن تكون تلك ، وجوز أيضا [ ص: 17 ] أن يكون للتعظيم أي نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم ، وليس بذاك يا حسرتا بالألف بدل ياء الإضافة ، والمعنى كما قال سيبويه يا حسرتي احضري فهذا وقتك . وقرأ ابن كثير في الوقف «يا حسرتاه » بهاء السكت . وقرأ أبو جعفر «يا حسرتي » بياء الإضافة ، وعنه «يا حسرتاي » بالألف والياء التحتية مفتوحة أو ساكنة جمعا بين العوض والمعوض كذا قيل ، ولا يخفى أن مثل هذا غير جائز اللهم إلا شاذا استعمالا وقياسا ، فالأوجه أن يكون ثنى الحسرة مبالغة على نحو لبيك وسعديك وأقام بين ظهريهم وظهرانيهم على لغة بلحارث بن كعب من إبقاء المثنى على الألف في الأحوال كلها ، واختار ذلك صاحب الكشف ، وجوز أبو الفضل الرازي أيضا في كتابه اللوامح أن تكون التثنية على ظاهرها على تلك اللغة والمراد حسرة فوت الجنة وحسرة دخول النار ، واعتبار التكثير أولى لكثرة حسراتهم يوم القيامة على ما فرطت أي بسبب تفريطي - فعلى - تعليلية وما مصدرية كما في قوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هداكم [البقرة : 185] والتفريط التقصير في جنب الله أي جانبه ، قال الراغب : أصل الجنب الجارحة ثم يستعار للناحية والجهة التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال ، والمراد هنا الجهة مجازا ، والكلام على حذف مضاف أي في جنب طاعة الله أو في حقه تعالى أي ما يحق له سبحانه ويلزم وهو طاعته عز وجل وعلى ذلك قول سابق البربري من شعراء الحماسة :


                                                                                                                                                                                                                                      أما تتقين الله في جنب عاشق     له كبد حرى عليك تقطع



                                                                                                                                                                                                                                      والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في الطاعة نفسها لأن من ضيع جهة ضيع ما فيها بطريق الأولى الأبلغ لكونه بطريق برهاني ، ونظير ذلك قول زياد الأعجم :


                                                                                                                                                                                                                                      إن السماحة والمروءة والندى     في قبة ضربت على ابن الحشرج



                                                                                                                                                                                                                                      ولا مانع من أن يكون للطاعة وكذا حق الله تعالى بمعنى طاعته سبحانه جهة بالتبعية للمطيع كمكان السماحة وما معها في البيت ، ومما ذكرنا يعلم أنه لا مانع من الكناية كما توهم ، وقال الإمام : سمي الجنب جنبا لأنه جانب من جوانب الشيء ، والشيء الذي يكون من لوازم الشيء وتوابعه يكون كأنه جند من جنوده وجانب من جوانبه فلما حصلت المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وبين ما يكون لازما للشيء وتابعا له لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب على الحق والأمر والطاعة . انتهى . . وجعلوا في الكلام عليه استعارة تصريحية وليس هناك مضاف مقدر ، وليس بذاك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقول ابن عباس : يريد على ما ضيعت من ثواب الله ، ومقاتل : على ما ضيعت من ذكر الله ومجاهد والسدي : على ما فرطت في أمر الله ، والحسن : في طاعة الله ، وسعيد بن جبير : في حق الله بيان لحاصل المعنى ، وقيل : الجنب مجاز عن الذات كالجانب أو المجلس يستعمل مجازا لربه ، فيكون المعنى على ما فرطت في ذات الله . وضعف بأن الجنب لا يليق إطلاقه عليه تعالى ولو مجازا ، وركاكته ظاهرة أيضا ، وقيل : هو مجاز عن القرب أي على ما فرطت في قرب الله . وضعف بأنه محتاج إلى تجوز آخر ، ويرجع الأمر في الآخرة إلى طاعة الله تعالى ونحوها . وبالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزهه عز وجل من الجنب بالمعنى الحقيقي .

                                                                                                                                                                                                                                      ولم أقف على عد أحد من السلف إياه من الصفات السمعية ، ولا أعول على ما في المواقف ، وعلى فرض العد [ ص: 18 ] كلامهم فيها شهير وكلهم مجمعون على التنزيه وسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وفي حرف عبد الله وحفصة «في ذكر الله » وإن كنت لمن الساخرين أي المستهزئين بدين الله تعالى وأهله ، ( وأن ) هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة والجملة في محل النصب على الحال عند الزمخشري أي فرطت في حال سخريتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال في البحر : ويظهر أنها استئناف إخبار عن نفسه بما كان عليه في الدنيا لا حال ، والمقصود من ذلك الإخبار التحسر والتحزن

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية