الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما علم بهذا أنه البين في نفسه؛ المنادي - بما فيه من القباحة - بأنه لا خسران غيره؛ فصله بقوله - على طريق التهكم بهم -: لهم ؛ فإن عادة [ ص: 477 ] اللام عند مصاحبة المجرور - ولا سيما الضمير - إفهام المحبوب للضمير؛ لا سيما مع ذكر الظلل؛ وأشار إلى قربها منهم؛ بإثبات الجار؛ فقال: من فوقهم ظلل ؛ ولما أوهمهم ذلك الراحة؛ أزال ذلك بقوله: من النار ؛ وذلك أنكأ مما لو أفهمهم الشر من أول الأمر؛ ولما كان في القرار - كائنا ما كان؛ على أي حال كان - نوع من الراحة بالسكون؛ بين أنهم معلقون في غمرات الاضطراب؛ يصعدهم اللهيب تارة؛ ويهبطهم انعكاسه عليهم برجوعه إليهم أخرى؛ فلا قرار لهم أصلا؛ كما يكون الحب في الماء على النار؛ يغلي به صاعدا وسافلا؛ لا يقر في أسفل القدر أصلا؛ لقوله: ومن تحتهم ؛ ولما كان كون الظلة - المأخوذة من الظل - من تحت؛ في غاية الغرابة؛ أعادها؛ ولم يكتف بالأولى؛ ولم يعد ذكر النار؛ لفهمها في التحت من باب الأولى؛ فقال: ظلل ؛ ومما يدل على ما فهمته؛ من عدم القرار؛ ما رواه البخاري ؛ في صحيحه؛ عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه؛ فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا"؛ فسألنا يوما؛ قلنا: لا؛ قال: "لكني رأيت [ ص: 478 ] رجلين أتياني؛ فأخذا بيدي؛ وأخرجاني إلى الأرض المقدسة"؛ فذكره بطوله؛ حتى قال: "فانطلقنا إلى نقب مثل التنور؛ أعلاه ضيق وأسفله واسع؛ توقد تحته نار؛ فإذا فيه رجال ونساء؛ عراة؛ فيأتيهم اللهيب من تحتهم؛ فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجون؛ فإذا خمدت رجعوا"؛ فذكره؛ وهو طويل عظيم؛ ثم فسرهم بالزناة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا أمرا مهولا؛ وهم لا يرهبونه؛ ولا يرجعون عن غيهم به؛ ذكر فائدته؛ مع الزيادة في تعظيمه؛ فقال: ذلك ؛ أي: الأمر العظيم الشأن؛ يخوف الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ الذي صفاته الجبروت؛ والكبر؛ به عباده ؛ أي: الذين لهم أقلية الإقبال عليه؛ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم؛ فيعيذهم منه؛ ولما أهلهم للإضافة إليه؛ وخوفهم سطواته؛ أقبل عليهم عند تهيئتهم للاستماع؛ منبها على أنه تخويف استعطاف؛ فقال: يا عباد فاتقون ؛ أي: سببوا عن ذلك أن تجعلوا بينكم وبين ما يسخطني وقاية مما يرضيني؛ لأرضى عنكم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية