الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سنا ]

                                                          سنا : سنت النار تسنو سناء : علا ضوءها . والسنا ، مقصور : ضوء النار والبرق ، وفي التهذيب : السنا ، مقصور ، حد منتهى ضوء البرق ، وقد أسنى البرق ؛ إذا دخل سناه عليك بيتك أو وقع على الأرض أو طار في السحاب . قال أبو زيد : سنا البرق : ضوءه من غير أن ترى [ ص: 284 ] البرق أو ترى مخرجه في موضعه ، فإنما يكون السنا بالليل دون النهار وربما كان في غير سحاب . ابن السكيت : السناء من المجد والشرف ، ممدود . والسنا سنا البرق وهو ضوءه يكتب بالألف ويثنى سنوان ، ولم يعرف الأصمعي له فعلا . والسنا ، بالقصر الضوء ، وفي التنزيل العزيز : يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ؛ وأنشد سيبويه :


                                                          ألم تر أني وابن أسود ليلة لنسري إلى نارين يعلو سناهما



                                                          وسنا البرق : أضاء ، قال تميم بن مقبل :


                                                          لجون شآم كلما قلت قد ونى     سنا والقواري الخضر في الدجن جنح



                                                          وأسنى النار : رفع سناها . واستناها : نظر إلى سناها ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          ومستنبح يعوي الصدى لعوائه     تنور ناري فاستناها وأومضا



                                                          أومض : نظر إلى وميضها . وسنا البرق : سطع . وسنا إلى معالي الأمور سناء : ارتفع . وسنو في حسبه سناء ، فهو سني : ارتفع ، ويقال : إن فلانا لسني الحسب ، وقد سنو يسنو سناء ، ممدود . والسناء من الرفعة ، ممدود . والسني : الرفيع ؛ وأسناه أي رفعه ؛ وأنشد ابن بري :


                                                          وهم قوم كرام الحي طرا     لهم حول إذا ذكر السناء



                                                          وفي الحديث " بشر أمتي بالسناء " أي بارتفاع المنزلة والقدر عند الله . وقد سني يسنى سناء أي ارتفع ، وأما قراءة من قرأ : ( يكاد سناء برقه ) ، ممدود ، فليس السناء ممدودا لغة في السنا المقصور ، ولكن إنما عنى به ارتفاع البرق ولموعه صعدا ؛ كما قالوا برق رافع . وسناه أي فتحه وسهله ؛ وقال :


                                                          وأعلم علما ليس بالظن أنه     إذا الله سنى عقد شيء تيسرا



                                                          قال ابن بري : هذا البيت أنشده أبو القاسم الزجاجي في أماليه :


                                                          فلا تيأسا واستغورا الله إنه     إذا الله سنى عقد شيء تيسرا



                                                          معنى قوله ( استغورا الله ) : اطلبا منه الغيرة ، وهي الميرة ؛ وفي حديث معاوية أنه أنشد :


                                                          إذا الله سنى عقد شيء تيسرا



                                                          يقال : سنيت الشيء إذا فتحته وسهلته . وتسنى لي كذا أي تيسر وتأتى . وتسنى الشيء : علاه ؛ قال ابن أحمر :


                                                          ترى لها وهو مسرور لغفلتها     طورا وطورا تسناه فتعتكر



                                                          وتسنى البعير الناقة إذا تسداها وقاع عليها ليضربها . الفراء : يقال : تسنى أي تغير . قال أبو عمرو : لم يتسن لم يتغير ، من قوله تعالى : ( من حمأ مسنون ) ؛ أي متغير ، فأبدل من إحدى النونات ياء ، مثل تقضى من تقضض ، والمسناة : العرم ، وسنا سنوا وسناية وسناوة : سقى . والسانية : الغرب وأداته . والسانية : الناضحة . وهي الناقة التي يستقى عليها ، وفي المثل : سير السواني سفر لا ينقطع . الليث : السانية ، وجمعها السواني ، ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره ، وقد سنت السانية تسنو سنوا إذا استقت سناية وسناوة ، وسنت الناقة تسنو : إذا سقت الأرض ، والسحابة تسنو الأرض والقوم يسنون لأنفسهم إذا استقوا ، ويستنون إذا سنوا لأنفسهم ؛ قال رؤبة :


                                                          بأي غرب إذ غرفنا نستني



                                                          وسنيت الدابة وغيرها تسنى إذا سقي عليها الماء ، أبو زيد : سنت السماء تسنو سنوا إذا مطرت ، وسنوت الدلو سناوة إذا جررتها من البئر . أبو عبيد : الساني المستقي ، وقد سنا يسنو ، وجمع الساني سناة ؛ قال لبيد :


                                                          كأن دموعه غربا سناة     يحيلون السجال على السجال



                                                          جعل السناة الرجال الذين يسقون بالسواني ويقبلون بالغروب فيحيلونها أي يدفقون ماءها . ويقال : هذه ركية مسنوية إذا كانت بعيدة الرشاء لا يستقى منها إلا بالسانية من الإبل ، السانية تقع على الجمل والناقة بالهاء ، والساني بغير هاء يقع على الجمل والبقر والرجل ، وربما جعلوا السانية مصدرا على فاعلة بمعنى الاستقاء ؛ وأنشد الفراء :


                                                          يا مرحباه بحمار ناهيه     إذا دنا قربته للسانيه



                                                          الفراء : يقال : سناها الغيث يسنوها فهي مسنوة ومسنية يعني سقاها ، قلبوا الواو ياء كما قلبوها في قنية ، وفي حديث الزكاة ما سقي بالسواني ففيه نصف العشر ؛ السواني : جمع سانية ، وهي الناقة التي يستقى عليها ؛ ومنه حديث البعير الذي شكا إليه ، فقال أهله : إنا كنا نسنو عليه أي نستقي ؛ ومنه حديث فاطمة رضي الله عنها : لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، وفي حديث العزل : إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا في النخل ، كأنها كانت تسقي لهم نخلهم عوض البعير ، والمسنوية : البئر التي يسنى منها ، واستنى لنفسه ، والسحاب يسنو المطر ، وسنت السحابة بالمطر تسنو وتسني . وأرض مسنوة ومسنية ومسقية ، ولم يعرف سيبويه سنيتها ، وأما مسنية عنده فعلى يسنوها ، وإنما قلبوا الواو ياء لخفتها وقربها من الطرف ، وشبهت بمسني كما جعلوا عظاءة بمنزلة عظاء . وساناه : راضاه ، أبو عمرو : سانيت الرجل راضيته وداريته وأحسنت معاشرته ؛ ومنه قول لبيد :


                                                          وسانيت من ذي بهجة ورقيته     عليه السموط عائص متعصب



                                                          وأنشد الجوهري هذا البيت : عابس متعصب . قال ابن بري : قال ابن القطاع : متعصب بالتاج ، وقيل : يعصب برأسه أمر الرعية ، قال : والذي رواه ابن السكيت في الألفاظ في باب المساهلة : متغضب ، قال : وكذلك أنشده أبو عبيد في باب المداراة ، والمساناة : الملاينة في المطالبة ، والمساناة : المصانعة . وهي المداراة ، وكذلك المصاداة والمداجاة ، الفراء : يقال : أخذته بسنايته وصنايته ، أي : أخذه كله . والسنة إذا قلته بالهاء وجعلت نقصانه الواو ، فهو من هذا الباب ، تقول أسنى القوم [ ص: 285 ] يسنون إسناء إذا لبثوا في موضع سنة ، وأسنتوا إذا أصابتهم الجدوبة ، تقلب الواو تاء للفرق بينهما ؛ وقال المازني : هذا شاذ لا يقاس عليه ، وقيل : التاء في أسنتوا بدل من الياء التي كانت في الأصل واوا ليكون الفعل رباعيا ، والسنة من الزمن من الواو ومن الهاء ، وتصريفها مذكور في حرف الهاء ، والجمع سنوات وسنون وسنهات ، وسنون مذكور في الهاء ، وتعليل جمعها بالواو والنون هناك ، وأصابتهم السنة ، يعنون به السنة المجدبة ، وعلى هذا قالوا أسنتوا ، فأبدلوا التاء من الياء التي أصلها الواو ولا يستعمل ذلك إلا في الجدب وضد الخصب ، وأرض سنة : مجدبة على التشبيه بالسنة من الزمان ، وجمعها سنون ، وحكى اللحياني أرض سنون كأنهم جعلوا كل جزء منها أرضا سنة ثم جمعوه على هذا . وأسنى القوم : أتى عليهم العام ، وساناه مساناة وسناء : استأجره السنة وعامله مساناة ، واستأجره مساناة كقوله مسانهة . التهذيب : المساناة والمسانهة ، وهو الأجل إلى سنة ، وأصابتهم السنة السنواء : الشديدة ، وأرض سنهاء وسنواء إذا أصابتها السنة ، والسنا نبت يتداوى به ، قال ابن سيده : السنا والسناء نبت يكتحل به يمد ويقصر ، واحدته سناة وسناءة ، الأخيرة قياس لا سماع ؛ وقول النابغة الجعدي :


                                                          كأن تبسمها موهنا     سنا المسك حين تحس النعامى



                                                          قال : يجوز أن يكون السنا هاهنا هذا النبات كأنه خالط المسك ، ويجوز أن يكون من السنا الذي هو الضوء لأن الفوح انتشار أيضا ، وهذا كما قالوا : سطعت رائحته أي فاحت ، ويروى : كأن تنسمها ، وهو الصحيح . وقال أبو حنيفة : السنا شجيرة من الأغلاث تخلط بالحناء ، فتكون شبابا له وتقوي لونه وتسوده ، وله حمل أبيض إذا يبس فحركته الريح سمعت له زجلا ؛ قال حميد بن ثور :


                                                          صوت السنا هبت به علوية     هزت أعاليه بسهب مقفر



                                                          وتثنيته سنيان ، ويقال : سنوان ، وفي الحديث " عليكم بالسنا والسنوت " وهو مقصور ، هو هذا النبت ، وبعضهم يرويه بالمد . وقال ابن الأعرابي : السنوت العسل ، والسنوت الكمون ، السنوت الشبث ؛ قال أبو منصور : وهو السنوت ، بفتح السين ، وفي الحديث : عن أم خالد بنت خالد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بثياب فيها خميصة سوداء فقال : ائتوني بأم خالد ، قالت : فأتي بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمولة وأنا صغيرة فأخذ الخميصة بيده ثم ألبسنيها ، ثم قال : أبلي وأخلقي ، ثم نظر إلى علم فيها أصفر وأخضر فجعل يقول : يا أم خالد سنا سنا ؛ قيل : سنا بالحبشية حسن ، وهي لغة ، وتخفف نونها وتشدد ، وفي رواية : سنه سنه ، وفي رواية أخرى : سناه سناه ، مخففا ومشددا فيهما ؛ وقول العجاج يصف شبابه بعدما كبر وأصباه النساء :


                                                          وقد يسامي جنهن جني     في غيطلات من دجى الدجن
                                                          بمنطق لو أنني أسني     حيات هضب جئن أو لو اني
                                                          أرقي به الأروي دنون مني     ملاوة مليتها كأني
                                                          ضارب صنجي نشوة مغني     شرب ببيسان من الأردن
                                                          بين خوابي قرقف ودن



                                                          قوله : لو أنني أسني أي أستخرج الحيات فأرقيها وأرفق بها حتى تخرج إلي ، يقال : سنيت وسانيت . وسنيت الباب وسنوت : إذا فتحته . والمسناة ضفيرة تبنى للسيل لترد الماء سميت مسناة لأن فيها مفاتيح للماء بقدر ما تحتاج إليه مما لا يغلب ، مأخوذ من قولك سنيت الشيء والأمر إذا فتحت وجهه . ابن الأعرابي : تسنى الرجل إذا تسهل في أموره ؛ قال الشاعر :


                                                          وقد تسنيت له كل التسني



                                                          وكذلك تسنيت فلانا إذا ترضيته :

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية