الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون [ ص: 253 ] لمثل من الأمثال القرآنية بعد بيان أن الحكمة في ضربها هو التذكر والاتعاظ بها، وتحصيل التقوى . والمراد بـ "ضرب المثل" ههنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها، وجعلها مثلها، كما مر في سورة يس . و "مثلا" مفعول ثان لـ "ضرب"، و "رجلا" مفعوله الأول أخر عن الثاني للتشويق إليه، وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل . وفيه ليس بصلة لشركاء كما قيل . بل هو خبر له، وبيان أنه في الأصل كذلك مما لا حاجة إليه . والجملة في حيز النصب على أنه وصف لرجلا، أو الوصف هو الجار والمجرور، و "شركاء" مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على الموصوف فالمعنى جعل الله تعالى مثلا للمشرك، حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل معبوديه عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه، ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحيره، وتوزع قلبه . ورجلا أي : وجعل للموحد مثلا رجلا . سلما أي : خالصا لرجل فرد ليس لغيره عليه سبيل أصلا . وقرئ : ( سلما ) بفتح السين وكسرها مع سكون اللام، والكل مصادر من سلم له كذا، أي : خلص نعت بها مبالغة، أو حذف منها ذو . وقرئ : ( سالما ) و ( سالم ) أي : وهناك رجل سالم . وتخصيص الرجل; لأنه أفطن لما يجري عليه من الضر والنفع . هل يستويان مثلا إنكار واستبعاد لاستوائهما، ونفي له على أبلغ وجه وآكده، وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد أن يتفوه باستوائهما، أو يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين، والآخر في أسفل سافلين، وهو السر في إبهام الفاضل والمفضول وانتصاب مثلا على التمييز . أي : هل يستوي حالاهما وصفتاهما . والاقتصار في التمييز على الواحد لبيان الجنس . وقرئ : ( مثلين ) كقوله تعالى : أكثر أموالا وأولادا باختلاف النوع، أو لأن المراد هل يستويان في الوصفين، على أن الضمير للمثلين; لأن التقدير مثل رجل فيه . . . إلخ . ومثل رجل . . . إلخ . وقوله تعالى : الحمد لله تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى، وأنها نعمة جليلة موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وعبادته ، أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى، وللمشركين مثل السوء صنع جميل، ولطف تام منه عز وجل مستوجب لحمده وعبادته . وقوله تعالى : بل أكثرهم لا يعلمون إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس، وهم المشركون . لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيبقون في ورطة الشرك والضلال . وقوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية