الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

                                                                                                                1374 حدثنا حماد بن إسمعيل ابن علية حدثنا أبي عن وهيب عن يحيى بن أبي إسحق أنه حدث عن أبي سعيد مولى المهري أنه أصابهم بالمدينة جهد وشدة وأنه أتى أبا سعيد الخدري فقال له إني كثير العيال وقد أصابتنا شدة فأردت أن أنقل عيالي إلى بعض الريف فقال أبو سعيد لا تفعل الزم المدينة فإنا خرجنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم أظن أنه قال حتى قدمنا عسفان فأقام بها ليالي فقال الناس والله ما نحن ها هنا في شيء وإن عيالنا لخلوف ما نأمن عليهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا الذي بلغني من حديثكم ما أدري كيف قال والذي أحلف به أو والذي نفسي بيده لقد هممت أو إن شئتم لا أدري أيتهما قال لآمرن بناقتي ترحل ثم لا أحل لها عقدة حتى أقدم المدينة وقال اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرما وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف اللهم بارك لنا في مدينتنا اللهم بارك لنا في صاعنا اللهم بارك لنا في مدنا اللهم بارك لنا في صاعنا اللهم بارك لنا في مدنا اللهم بارك لنا في مدينتنا اللهم اجعل مع البركة بركتين والذي نفسي بيده ما من المدينة شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها ثم قال للناس ارتحلوا فارتحلنا فأقبلنا إلى المدينة فوالذي نحلف به أو يحلف به الشك من حماد ما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان وما يهيجهم قبل ذلك شيء

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( فأردت أن أنقل عيالي إلى بعض الريف ) قال أهل اللغة : الريف : بكسر الراء هو الأرض التي فيها زرع وخصب ، وجمعه أرياف ، ويقال : أريفنا صرنا إلى الريف ، وأرافت الأرض أخصبت فهي ريفة .

                                                                                                                قوله : ( وإن عيالنا لخلوف ) هو بضم الخاء ، أي ليس عندهم رجال ولا من يحميهم .

                                                                                                                [ ص: 501 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( لآمرن بناقتي ترحل ) هو بإسكان الراء وتخفيف الحاء ، أي يشد عليها رحلها .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم لا أحل لها عقدة حتى أقدم المدينة ) معناه : أواصل السير ولا أحل عن راحلتي عقدة من عقد حملها ورحلها حتى أصل المدينة لمبالغتي في الإسراع إلى المدينة .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها ) ( المأزم ) بهمزة بعد الميم وبكسر الزاي وهو الجبل ، وقيل : المضيق بين الجبلين ونحوه ، والأول هو الصواب هنا ، ومعناه : ما بين جبليها كما سبق في حديث أنس وغيره . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف ) هو بإسكان اللام ، وهو مصدر علفت علفا ، وأما ( العلف ) بفتح اللام فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها .

                                                                                                                وفيه : جواز أخذ أوراق الشجر للعلف ، وهو المراد هنا بخلاف خبط الأغصان وقطعها ؛ فإنه حرام .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من المدينة شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها ) فيه بيان فضيلة المدينة وحراستها في زمنه صلى الله عليه وسلم ، وكثرة الحراس ، واستيعابهم الشعاب زيادة في الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                قال أهل اللغة : ( الشعب ) بكسر الشين ، هو : الفرجة النافذة بين الجبلين ، وقال ابن السكيت : هو الطريق في الجبل ، ( والنقب ) بفتح النون على المشهور ، وحكى القاضي ضمها أيضا وهو مثل الشعب ، وقيل : هو الطريق في الجبل ، قال الأخفش : أنقاب المدينة : طرقها وفجاجها .

                                                                                                                قوله : ( فما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان وما يهيجهم قبل [ ص: 502 ] ذلك شيء ) معناه : أن المدينة في حال غيبتهم كانت محمية محروسة ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن بني عبد الله بن غطفان أغاروا عليها حين قدمنا ولم يكن قبل ذلك يمنعهم من الإغارة عليها مانع ظاهر ، ولا كان لهم عدو يهيجهم ويشتغلون به ، بل سبب منعهم قبل قدومنا حراسة الملائكة ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                قال أهل اللغة يقال : هاج الشر ، وهاجت الحرب ، وهاجها الناس ، أي تحركت ، وحركوها . وهجت زيدا حركته للأمر ، كله ثلاثي .

                                                                                                                وأما قوله : ( بنو عبد الله ) فهكذا وقع في بعض النسخ ( عبد الله ) بفتح العين مكبر ، ووقع في أكثرها ( عبيد الله ) بضم العين مصغر ، والأول هو الصواب بلا خلاف بين أهل هذا الفن . قال القاضي عياض : حدثنا به مكبرا أبو محمد الخشني عن الطبري عن الفارسي ( بنو عبد الله ) على الصواب .

                                                                                                                قال : ووقع عند شيوخنا في نسخ مسلم من طريق ابن ماهان ، ومن طريق الجلودي ( بنو عبيد الله ) مصغر ، وهو خطأ . قال : وكان يقال لهم في الجاهلية ( بنو عبد العزى ) فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم ( بني عبد الله ) فسمتهم العرب ( بني محولة ) لتحويل اسمهم . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية