الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون

                                                                                                                                                                                                                                      ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا . . . إلخ . متعلق بقوله تعالى : "لهم ما يشاءون" لكن لا باعتبار منطوقه ضرورة أن التفكير المذكور لا يتصور كونه غاية لثبوت ما يشاءون لهم في الآخرة، كيف لا وهو بعض ما سيثبت لهم فيها، بل باعتبار فحواه ؟ فإنه حيث لم يكن إخبارا بما ثبت لهم فيما مضى بل بما سيثبت لهم فيما سيأتي كان في معنى الوعد به، كما مر في قوله تعالى : "وعد الله" فإنه مصدر مؤكد لما قبله من قوله تعالى : لهم غرف من فوقها غرف فإنه في معنى وعدهم الله غرفا . فانتصب به وعد الله كأنه قيل : [ ص: 255 ] وعدهم الله جميع ما يشاءونه من زوال المضار، وحصول المسار، ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا دفعا لمضارهم . ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون إعطاء لمنافعهم، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لإبراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام . وإضافة الأسوأ والأحسن إلى ما بعدهما ليست من قبيل إضافة المفضل إلى المفضل عليه، بل من إضافة الشيء إلى بعضه للقصد إلى التحقيق والتوضيح من غير اعتبار تفضيله عليه، وإنما المعتبر فيهما مطلق الفضل والزيادة لا على المضاف إليه المعين بخصوصه كما في قولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان . خلا أن الزيادة المعتبرة فيهما ليست بطريق الحقيقة بل هي في الأول : بالنظر إلى ما يليق بحالهم من استعظام سيئاتهم وإن قلت، واستصغار حسناتهم وإن جلت . والثاني : بالنظر إلى لطف أكرم الأكرمين من استكثار الحسنة اليسيرة، ومقابلتها بالمثوبات الكثيرة، وحمل الزيادة على الحقيقة وإن أمكن في الأول . بناء على أن تخصيص الأسوأ بالذكر لبيان تكفير ما دونه بطريق الأولوية ضرورة استلزام تكفير الأسوأ لتكفير السيئ، لكن لما لم يكن ذلك في الأحسن كان الأحسن نظمهما في سلك واحد من الاعتبار . والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في صلة الموصول الثاني دون الأول; للإيذان باستمرارهم على الأعمال الصالحة بخلاف السيئة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية