الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون

                                                                                                                                                                                                                                      ليسوا سواء جملة مستأنفة سيقت تمهيدا لتعداد محاسن مؤمني أهل الكتاب وتذكيرا لقوله تعالى: منهم المؤمنون . والضمير في "ليسوا" لأهل الكتاب جميعا لا للفاسقين منهم خاصة، وهو اسم ليس وخبره "سواء" وإنما أفرد لأنه في الأصل مصدر، [ ص: 73 ] والمراد بنفي المساواة نفي المشاركة في أصل الاتصاف بالقبائح المذكورة لا نفي المساواة في مراتب الاتصاف بها مع تحقق المشاركة في أصل الاتصاف بها، أي: ليس جميع أهل الكتاب متشاركين في الاتصاف بما ذكر من القبائح والابتلاء بما يترتب عليها من العقوبات. وقوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة استئناف مبين لكيفية عدم تساويهم، ومزيل لما فيه من الإبهام كما أن ما سبق من قوله تعالى: تأمرون بالمعروف الآية مبين لقوله تعالى: كنتم خير أمة إلخ... ووضع "أهل الكتاب" موضع الضمير العائد إليهم لتحقيق ما به الاشتراك بين الفريقين والإيذان بأن تلك الأمة ممن أوتي نصيبا وافرا من الكتاب لا من أرذالهم ، والقائمة: المستقيمة العادلة من أقمت العود فقام بمعنى استقام، وهم الذين أسلموا منهم كعبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسيد بن عبيد وأضرابهم. وقيل: هم أربعون رجلا من أهل نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثلاثة من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا محمدا عليهما الصلاة والسلام، وكان من الأنصار فيهم عدة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة وأبو قيس صرمة بن أنس كانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ويقومون بما يعرفون من شرائع الحنيفية حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم فصدقوه ونصروه. وقوله تعالى: يتلون آيات الله في محل الرفع على أنه صفة أخرى لـ"أمة". وقيل: في محل النصب على أنه حال منها لتخصصها بالنعت والعامل فيه الاستقرار الذي يتضمنه الجار أو من ضميرها في "قائمة" أو من المستكن في الجار لوقوعه خبرا لـ "أمة" والمراد بـ "آيات الله": القرآن. وقوله تعالى: آناء الليل ظرف لـ "يتلون" أي: في ساعاته، جمع أنى بزنة عصا أو إني بزنة معى أو أني بزنة ظبي أو إني بزنة نحي أو إنو بزنة جرو.وهم يسجدون أي: يصلون، إذ لا تلاوة في السجود. قال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا"، وتخصيص السجود بالذكر من بين سائر أركان الصلاة لكونه أدل على كمال الخضوع، والتصريح بتلاوتهم آيات الله في الصلاة مع أنها مشتملة عليها قطعا لزيادة تحقيق المخالفة وتوضيح عدم المساواة بينهم وبين الذين وصفوا آنفا بالكفر بها وهو السر في تقديم هذا النعت على نعت الإيمان، والمراد بصلاتهم: التهجد إذ هو أدخل في مدحهم وفيه يتسنى لهم التلاوة فإنها في المكتوبة وظيفة الإمام، واعتبار حالهم عند الصلاة على الانفراد يأباه مقام المدح وهو الأنسب بالعدول عن إيرادها باسم الجنس المتبادر منه الصلاة المكتوبة وبالتعبير عن وقتها بالآناء المبهمة. وقيل: صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها ليلة ثم خرج فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أما إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم وقرأ هذه الآية. وإيراد الجملة اسمية للدلالة على الاستمرار وتكرير الإسناد لتقوية الحكم وتأكيده وصيغة المضارع للدلالة على التجدد، والجملة حال من فاعل "يتلون". وقيل: هي مستأنفة، والمعنى: أنهم يقومون تارة ويسجدون أخرى يبتغون الفضل والرحمة بأنواع ما يكون في الصلاة من الخضوع لله عز وجل كما في قوله تعالى: والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما وقيل: المراد بالسجود هو الخضوع كما في قوله تعالى: ولله يسجد من في السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية