الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (145) قوله تعالى : وما كان لنفس أن تموت : "أن تموت " في محل رفع اسما لـ "كان " . و : "لنفس " خبر مقدم فيتعلق بمحذوف و إلا بإذن الله حال من الضمير في "تموت " فيتعلق بمحذوف ، وهو استثناء مفرغ ، والتقدير : وما كان لها أن تموت إلا مأذونا لها ، والباء للمصاحبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : و إلا بإذن الله الخبر ، واللام للتبيين متعلقة بـ "كان " . وقيل : هي متعلقة بمحذوف تقديره : الموت لنفس ، و "أن تموت " تبيين للمحذوف ، ولا يجوز أن تتعلق اللام بـ "تموت " لما فيه من تقديم الصلة على الموصول " . وقال بعضهم : " إن "كان " زائدة فيكون "أن تموت " مبتدأ ، و "لنفس " خبره " . وقال الزجاج : " تقديره : وما كانت نفس لتموت ، ثم قدمت اللام "فجعل ما كان اسما لـ " كان "وهو " أن تموت "خبرا لها ، وما كان خبرا وهو " لنفس "اسما لها . فهذه خمسة أقوال ، أظهرها الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 419 ] أما قول أبي البقاء " واللام للتبيين فتتعلق بمحذوف "ففيه نظر من وجهين ، أحدهما : أن " كان "الناقصة لا تعمل في غير اسمها وخبرها ، ولئن سلم ذلك فاللام التي للتبيين إنما تتعلق بمحذوف ، وقد نصوا على ذلك في نحو : " سقيا لك " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما من جعل " لنفس "متعلقة بمحذوف تقديره : " الموت لنفس "ففاسد لأنه ادعى حذف شيء لا يجوز ، لأنه إن جعل " كان "تامة أو ناقصة امتنع حذف مرفوعها لأن الفاعل لا يحذف ، وأيضا فإن فيه حذف المصدر وإبقاء معموله وهو لا يجوز . وكذلك قول من جعل " كان "زائدة . وأما قول الزجاج فإنه تفسير معنى لا إعراب فتعود الأقوال أربعة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : كتابا مؤجلا في نصبه ثلاثة أوجه ، أظهرها : أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي قبله ، فعامله مضمر تقديره : " كتب الله ذلك كتابا " ، نحو : صنع الله وعد الله ، و كتاب الله عليكم . والثاني : أنه منصوب على التمييز . ذكره ابن عطية ، وهذا غير مستقيم ؛ لأن التمييز منقول وغير منقول ، وأقسامه محصورة وليس هذا شيئا منها . وأيضا فأين الذات المبهمة التي تحتاج إلى تفسير . والثالث : أنه منصوب على الإغراء ، والتقدير : الزموا كتابا مؤجلا وآمنوا بالقدر ، وليس المعنى على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ورش : " موجلا "بالواو بدل الهمزة وهو قياس تخفيفها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ومن يرد ثواب " من "مبتدأ وهي شرطية . وفي خبر هذا المبتدأ [ ص: 420 ] الخلاف المشهور . وأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر - بخلاف عنه - دال " يرد "في الثاء ، والباقون بالإظهار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عمرو بالإسكان في هاء "نؤتيه " في الموضعين وصلا ووقفا ، وقالون وهشام - بخلاف عنه - بالاختلاس وصلا ، والباقون بالإشباع وصلا . فأما السكون فقالوا : إن الهاء لما حلت محل ذلك المحذوف أعطيت ما كان يستحقه من السكون . وأما الاختلاس فلاستصحاب ما كانت عليه الهاء قبل حذف لام الكلمة ، فإن الأصل : نؤتيه ، فحذفت الياء للجزم ، ولم يعتد بهذا العارض فبقيت الهاء على ما كانت عليه . وأما الإشباع فنظرا إلى اللفظ لأن الهاء بعد متحرك في اللفظ ، وإن كانت في الأصل بعد ساكن وهو الياء التي حذفت للجزم . والأولى أن يقال : إن الاختلاس والإسكان بعد المتحرك لغة ثابتة عن بني عقيل وبني كلاب ، حكى الكسائي : "له مال وبه داء " بسكون الهاء ، واختلاس حركتها ، وبهذا يتبين أن قول من قال : "إسكان الهاء واختلاسها في هذا النحو لا يجوز إلا ضرورة " ليس بشيء ، أما غير بني عقيل وبني كلاب فنعم لا يوجد ذلك عندهم إلا في ضرورة كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1454 - له زجل كأنه صوت حاد إذا طلب الوسيقة أو زمير



                                                                                                                                                                                                                                      باختلاس هاء "كأنه " ، وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1455 - وأشرب الماء ما بي نحوه عطش     إلا لأن عيونه سيل واديها



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 421 ] بسكونها . وجعل ابن عصفور أن الضرورة في البيت الثاني أحسن منها في الأول قال : "لأنه إذهاب للحركة وصلتها فهي جري على الضرورة إجراء كاملا " وإنما ذكرت هذه التعليلات لكثرة ورود هذه المسألة نحو يرضه لكم و فبهداهم اقتده . وقرئ : "يؤته " بياء الغائب ، والضمير لله تعالى ، وكذلك : وسنجزي الشاكرين بالنون والياء

                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية