الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سوأ ]

                                                          سوأ : ساءه يسوءه سوءا وسوءا وسواء وسواءة وسواية وسوائية ومساءة ومساية ومساء ومسائية : فعل به ما يكره ؛ نقيض سره ، والاسم السوء ، بالضم ، سؤت الرجل سواية ومساية ، يخففان ، أي ساءه ما رآه مني . قال سيبويه : سألت الخليل عن سوائية ، فقال : هي فعالية بمنزلة علانية . قال : والذين قالوا سواية حذفوا الهمزة ، كما حذفوا همزة هار ولاث ، كما اجتمع أكثرهم على ترك الهمز في ملك ، وأصله ملأك . قال : وسألته عن مسائية ، فقال : هي مقلوبة ، وإنما حدها مساوئة ، فكرهوا الواو مع الهمز لأنهما حرفان [ ص: 292 ] مستثقلان . والذين قالوا : مساية ، حذفوا الهمز تخفيفا . وقولهم : الخيل تجري على مساويها أي أنها وإن كانت بها أوصاب وعيوب ، فإن كرمها يحملها على الجري . وتقول من السوء : استاء فلان في الصنيع مثل استاع ، كما تقول من الغم اغتم ، واستاء هو : اهتم ، وفي حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قص عليه رؤيا فاستاء لها ، ثم قال : خلافة نبوة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء . قال أبو عبيد : أراد أن الرؤيا ساءته فاستاء لها ، افتعل من المساءة . ويقال : استاء فلان بمكاني أي ساءه ذلك . ويروى : فاستآلها أي طلب تأويلها بالنظر والتأمل . ويقال : ساء ما فعل فلان صنيعا يسوء أي قبح صنيعه صنيعا . والسوء : الفجور والمنكر . ويقال : فلان سيئ الاختيار ، وقد يخفف مثل هين وهين ، ولين ولين . قال : الطهوي :


                                                          ولا يجزون من حسن بسيء ولا يجزون من غلظ بلين



                                                          ويقال : عندي ما ساءه وناءه وما يسوءه وينوءه . ابن السكيت : وسؤت به ظنا ، وأسأت به الظن ، قال : يثبتون الألف إذا جاءوا بالألف واللام . قال ابن بري : إنما نكر ظنا في قوله سؤت به ظنا لأن ظنا منتصب على التمييز ، وأما أسأت به الظن ، فالظن مفعول به ، ولهذا أتى به معرفة لأن أسأت متعد . ويقال : أسأت به وإليه وعليه وله ، وكذلك أحسنت . قال كثير :


                                                          أسيئي بنا أو أحسني لا ملولة     لدينا ولا مقلية إن تقلت



                                                          وقال سبحانه : وقد أحسن بي ؛ وقال عز من قائل : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ؛ وقال : ومن أساء فعليها ، وقال عز وجل : وأحسن كما أحسن الله إليك ؛ وسؤت له وجهه : قبحته . الليث : ساء يسوء : فعل لازم ومجاوز ، تقول : ساء الشيء يسوء سوءا ، فهو سيئ ، إذا قبح ، ورجل أسوأ : قبيح ، والأنثى سوآء : قبيحة ، وقيل : هي فعلاء لا أفعل لها ، وفي الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : سوآء ولود خير من حسناء عقيم . قال الأموي : السوآء القبيحة ، يقال للرجل من ذلك : أسوأ ؛ مهموز مقصور ، والأنثى سوآء . قال ابن الأثير : أخرجه الأزهري حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه غيره حديثا عن عمر ، رضي الله عنه . ومنه حديث عبد الملك بن عمير : السوآء بنت السيد أحب إلي من الحسناء بنت الظنون . وقيل في قوله تعالى : ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى ؛ قال : هي جهنم أعاذنا الله منها . والسوأة السوآء : المرأة المخالفة . والسوأة السوآء : الخلة القبيحة . وكل كلمة قبيحة أو فعلة قبيحة فهي سوآء . قال أبو زبيد في رجل من طيئ نزل به رجل من بني شيبان ، فأضافه الطائي وأحسن إليه وسقاه ، فلما أسرع الشراب في الطائي افتخر ومد يده ، فوثب عليه الشيباني فقطع يده ، فقال أبو زبيد :


                                                          ظل ضيفا أخوكم لأخينا     في شراب ونعمة وشواء
                                                          لم يهب حرمة النديم وحقت     يا لقومي للسوأة السوآء



                                                          ويقال : سؤت وجه فلان ، وأنا أسوءه مساءة ومسائية ، والمساية لغة في المساءة ، تقول : أردت مساءتك ومسايتك . ويقال : أسأت إليه في الصنيع . وخزيان سوآن : من القبح . والسوأى ، بوزن فعلى : اسم للفعلة السيئة بمنزلة الحسنى للحسنة ، محمولة على جهة النعت في حد أفعل وفعلى كالأسوأ والسوأى . والسوأى : خلاف الحسنى . وقوله عز وجل : ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى ؛ الذين أساءوا هنا الذين أشركوا . والسوأى : النار . وأساء الرجل إساءة : خلاف أحسن . وأساء إليه : نقيض أحسن إليه . وفي حديث مطرف قال لابنه لما اجتهد في العبادة : خير الأمور أوساطها ، والحسنة بين السيئتين أي الغلو سيئة والتقصير سيئة والاقتصاد بينهما حسنة . وقد كثر ذكر السيئة في الحديث ، وهي والحسنة من الصفات الغالبة . يقال : كلمة حسنة وكلمة سيئة ، وفعلة حسنة وفعلة سيئة . وأساء الشيء : أفسده ولم يحسن عمله . وأساء فلان الخياطة والعمل . وفي المثل : أساء كاره ما عمل . وذلك أن رجلا أكرهه آخر على عمل فأساء عمله . ويضرب هذا للرجل يطلب الحاجة فلا يبالغ فيها . والسيئة : الخطيئة ، أصلها سيوئة ، فقلبت الواو ياء وأدغمت . وقول سيئ : يسوء . والسيئ والسيئة : عملان قبيحان ، يصير السيئ نعتا للذكر من الأعمال والسيئة الأنثى . والله يعفو عن السيئات . وفي التنزيل العزيز : ومكر السيئ ؛ فأضاف . وفيه : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ؛ والمعنى مكر الشرك . وقرأ ابن مسعود : " ومكرا سيئا " على النعت . وقوله :


                                                          أنى جزوا عامرا سيئا بفعلهم     أم كيف يجزونني السوأى من الحسن



                                                          فإنه أراد سيئا ، فخفف كهين من هين . وأراد من الحسنى فوضع الحسن مكانه لأنه لم يمكنه أكثر من ذلك . وسوأت عليه فعله وما صنع تسوئة وتسويئا إذا عبته عليه ، وقلت له : أسأت . ويقال : إن أخطأت فخطئني ، وإن أسأت فسوئ علي ، أي : قبح علي إساءتي . وفي الحديث : فما سوأ عليه ذلك ، أي ما قال له أسأت . قالأبو بكر في قوله ضرب فلان على فلان ساية : فيه قولان : أحدهما : الساية الفعلة من السوء ، فترك همزها ، والمعنى : فعل به ما يؤدي إلى مكروه والإساءة به . وقيل : ضرب فلان على فلان ساية معناه : جعل لما يريد أن يفعله به طريقا . فالساية فعلة من سويت ، كان في الأصل سوية فلما اجتمعت الواو والياء ، والسابق ساكن ؛ جعلوها ياء مشددة ثم استثقلوا التشديد ، فأتبعوهما ما قبله ، فقالوا : ساية كما قالوا دينار وديوان وقيراط ، والأصل دوان ، فاستثقلوا التشديد ، فأتبعوه الكسرة التي قبله . والسوأة : العورة والفاحشة . والسوأة : الفرج . الليث : السوأة : فرج الرجل والمرأة . قال الله تعالى : بدت لهما سوآتهما ؛ قال : فالسوأة كل عمل وأمر شائن . يقال : سوأة لفلان ، نصب لأنه شتم ودعاء . وفي حديث الحديبية والمغيرة : وهل غسلت سوأتك إلا أمس ؟ قال ابن الأثير : السوأة في الأصل الفرج ثم نقل إلى كل ما يستحيا منه إذا ظهر من قول وفعل ، وهذا القول إشارة إلى غدر كان المغيرة فعله مع قوم صحبوه في الجاهلية [ ص: 293 ] ، فقتلهم وأخذ أموالهم . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ؛ قال : يجعلانه على سوآتهما أي على فروجهما . ورجل سوء : يعمل عمل سوء ، وإذا عرفته وصفت به وتقول : هذا رجل سوء ، بالإضافة ، وتدخل عليه الألف واللام فتقول : هذا رجل السوء . قال الفرزدق :


                                                          وكنت كذئب السوء لما رأى دما     بصاحبه يوما أحال على الدم



                                                          قال الأخفش : ولا يقال الرجل السوء ، ويقال : الحق اليقين وحق اليقين جميعا ؛ لأن السوء ليس بالرجل ، واليقين هو الحق . قال : ولا يقال : هذا رجل السوء ، بالضم . قال ابن بري : وقد أجاز الأخفش أن يقال : رجل السوء ورجل سوء ، بفتح السين فيهما ، ولم يجوز رجل سوء ، بضم السين ، لأن السوء اسم للضر وسوء الحال ، وإنما يضاف إلى المصدر الذي هو فعله كما يقال رجل الضرب والطعن فيقوم مقام قولك رجل ضراب وطعان ، فلهذا جاز أن يقال : رجل السوء ، بالفتح ، ولم يجز أن يقال : هذا رجل السوء ، بالضم . قال ابن هانئ : المصدر السوء ، واسم الفعل السوء ، وقال : السوء مصدر سؤته أسوءه سوءا ، وأما السوء فاسم الفعل . قال الله تعالى : وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا . وتقول في النكرة : رجل سوء ، وإذا عرفت قلت : هذا الرجل السوء ، ولم تضف ، وتقول : هذا عمل سوء ، ولا تقل السوء ، لأن السوء يكون نعتا للرجل ، ولا يكون السوء نعتا للعمل ، لأن الفعل من الرجل وليس الفعل من السوء ، كما تقول : قول صدق ، والقول الصدق ، ورجل صدق ، ولا تقول : رجل الصدق ، لأن الرجل ليس من الصدق . الفراء في قوله عز وجل : عليهم دائرة السوء ؛ مثل قولك : رجل السوء . قال : ودائرة السوء العذاب . السوء - بالفتح - أفشى في القراءة وأكثر ، وقلما تقول العرب : دائرة السوء ، برفع السين . وقال الزجاج في قوله تعالى : الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء ؛ كانوا ظنوا أن لن يعود الرسول والمؤمنون إلى أهليهم ، فجعل الله دائرة السوء عليهم . قال : ومن قرأ : " ظن السوء " فهو جائز . قال : ولا أعلم أحدا قرأ بها إلا أنها قد رويت . وزعم الخليل وسيبويه : أن معنى السوء هاهنا الفساد ، يعني الظانين بالله ظن الفساد ، وهو ما ظنوا أن الرسول ومن معه لا يرجعون . قال الله تعالى : عليهم دائرة السوء ؛ أي الفساد والهلاك يقع بهم . قال الأزهري : قوله لا أعلم أحدا قرأ " ظن السوء " بضم السين ممدودة - صحيح ، وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو : دائرة السوء ، بضم السين ممدودة ، في سورة " براءة " وسورة الفتح ، وقرأ سائر القراء " السوء " ، بفتح السين في السورتين . وقال الفراء في سورة " براءة " في قوله تعالى : ويتربص بكم الدوائر ، عليهم دائرة السوء ؛ قال : قرأ القراء بنصب السين ، وأراد بالسوء المصدر من سؤته سوءا مساءة ومسائية وسوائية ، فهذه مصادر ، ومن رفع السين جعله اسما كقولك : عليهم دائرة البلاء والعذاب . قال : ولا يجوز ضم السين في قوله تعالى : ما كان أبوك امرأ سوء ؛ ولا في قوله : وظننتم ظن السوء ؛ لأنه ضد لقولهم : هذا رجل صدق ، وثوب صدق ، وليس للسوء هاهنا معنى في بلاء ولا عذاب ، فيضم . وقرئ قوله تعالى : " عليهم دائرة السوء " يعني الهزيمة والشر ، ومن فتح فهو من المساءة . وقوله عز وجل : كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ؛ قال الزجاج : السوء خيانة صاحبه ، والفحشاء : ركوب الفاحشة . وإن الليل طويل ولا يسوء باله أي يسوءني باله ، عن اللحياني . قال : ومعناه الدعاء . والسوء : اسم جامع للآفات والداء . وقوله عز وجل : وما مسني السوء ؛ قيل : معناه ما بي من جنون ، لأنهم نسبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنون . وقوله عز وجل : أولئك لهم سوء الحساب ؛ قال الزجاج : سوء الحساب أن لا يقبل منهم حسنة ، ولا يتجاوز عن سيئة ، لأن كفرهم أحبط أعمالهم ، كما قال تعالى : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ؛ وقيل : سوء الحساب : أن يستقصى عليه حسابه ، ولا يتجاوز له عن شيء من سيئاته ، وكلاهما فيه . ألا تراهم قالوا : من نوقش الحساب عذب . وقولهم : لا أنكرك من سوء ، وما أنكرك من سوء أي لم يكن إنكاري إياك من سوء رأيته بك ، إنما هو لقلة المعرفة . ويقال : إن السوء البرص . ومنه قوله تعالى : تخرج بيضاء من غير سوء ؛ أي من غير برص . وقال الليث : أما السوء فما ذكر بسيئ ، فهو السوء . قال : ويكنى بالسوء عن اسم البرص ، ويقال : لا خير في قول السوء ، فإذا فتحت السين ، فهو على ما وصفنا ، وإذا ضممت السين ، فمعناه لا تقل سوءا . وبنو سوأة : حي من قيس بن علي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية