الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      مما أشير إليه بقوله سبحانه : كذبت قبلهم قوم نوح .. إلخ ، والتقلب الخروج من أرض إلى أخرى . والمراد بالبلاد بلاد الشام واليمن فإن الآية في كفار قريش وهم كانوا يتقلبون بالتجارة في هاتيك البلاد ولهم رحلة الشتاء لليمن ورحلة الصيف للشام ، ولا بأس في إرادة ما يعم ذلك وغيره . وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير «فلا يغرك » بالإدغام مفتوح الراء وهي لغة تميم والفك لغة الحجازيين ، وبدأ بقوم نوح لأنه عليه الصلاة والسلام على ما في البحر أول رسول في الأرض أو لأنهم أول قوم كذبوا رسولهم وعتوا عتوا شديدا والأحزاب من بعدهم أي [ ص: 44 ] والذين تحزبوا واجتمعوا على معاداة الرسل عليهم السلام من قوم نوح كعاد وثمود وقوم فرعون وهمت كل أمة من تلك الأمم برسولهم وقرأ عبد الله «برسولها » رعاية اللفظ الأمة ليأخذوه ليتمكنوا من إيقاع ما يريدون به من حبس وتعذيب وقتل وغيره ، فالأخذ كناية عن التمكن المذكور ، وبعضهم فسره بالأسر وهو قريب مما ذكر ، وقال قتادة : أي ليقتلوه وجادلوا بالباطل بما لا حقيقة له قيل هو قولهم : ما أنتم إلا بشر مثلنا [إبراهيم : 10] والأولى أن يقال هو كل ما يذكرونه لنفي الرسالة وتحسين ما هم عليه ، وتفسيره بالشيطان ليس بشيء ليدحضوا ليزيلوا به أي بالباطل ، وقيل : أي بجدالهم بالباطل الحق الأمر الثابت الذي لا محيد عنه فأخذتهم بالإهلاك المستأصل لهم فكيف كان عقاب فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره ، وهذا تقرير فيه تعجيب للسامعين مما وقع بهم ، وجوز أن يكون من عدم اعتبار هؤلاء ، واكتفى بالكسرة عن ياء الإضافة في عقاب لأنه فاصلة ، واختلف في المسبب عنه الأخذ المذكور فقيل : مجموع التكذيب والهم بالأخذ والجدال بالباطل ، واختار الزمخشري كونه الهم بالأخذ ، قال في الكشف : وذلك لأن قوله تعالى : وجادلوا بالباطل ليدحضوا هو التكذيب بعينه والأخذ يشاكل الأخذ وإنما التكذيب موجب استحقاق العذاب الأخروي المشار إليه بعد ، ولا ينكر أن كليهما يقتضي كليهما لكن لما كان ملاءمة الأخذ للأخذ أتم والتكذيب للعذاب الأخروي أظهر أنه متعلق بالأخذ تنبيها على كمال الملاءمة ، ثم المجادلة العنادية ليس الغرض منها إلا الإيذاء فهي تؤكد الهم من هذا الوجه بل التكذيب أيضا يؤكده ، والغرض من تمهيد قوله تعالى : ما يجادل وذكر الأحزاب الإلمام بهذا المعنى ، ثم التصريح بقوله سبحانه - : وهمت كل أمة برسولهم يدل على ما اختاره دلالة بينة فلا حاجة إلى أن يعتذر بأنه إنما اعتبر هذا لا ما سيق له الكلام من المجادلة الباطلة للتسلي . انتهى . والإنصاف أن فيما صنعه جار الله رعاية جانب المعنى ومناسبة لفظية إلا أن الظاهر هو التفريع على المجموع كما لا يخفى

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية