الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4731 ) مسألة ; قال : ( ومن أوصى لأهل قرية ، لم يعط من فيها من الكفار ، إلا أن يذكرهم ) يعني به المسلم ، إذا أوصى لأهل قريته أو لقرابته بلفظ عام ، يدخل فيه مسلمون وكفار ، فهي للمسلمين خاصة ، ولا شيء للكفار . وقال الشافعي : يدخل فيه الكفار ; لأن اللفظ يتناولهم بعمومه ، ولأن الكافر لو أوصى لأهل قريته أو قرابته ، دخل فيه المسلم والكافر ، فكذلك المسلم . ولنا ، أن الله تعالى قال : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }

                                                                                                                                            فلم يدخل فيه [ ص: 123 ] الكفار إذا كان الميت مسلما ، وإذا لم يدخلوا في وصية الله تعالى مع عموم اللفظ ، فكذلك في وصية المسلم ، ولأن ظاهر حاله أنه لا يريد الكفار ، لما بينه وبينهم من عداوة الدين ، وعدم الوصلة ، المانع من الميراث ، ووجوب النفقة على فقيرهم ، ولذلك خرجوا من عموم اللفظ في الأولاد والإخوة والأزواج ، وسائر الألفاظ العامة في الميراث ، فكذا هاهنا ، لأن الوصية أجريت مجرى الميراث . وإن صرح بهم ، دخلوا في الوصية ; لأن صريح المقال لا يعارض بقرينة الحال . وإن وصى لهم وأهل القرية كلهم كفار ، أو وصى لقرابته ، وكلهم كفار ، دخلوا في الوصية ; لأنه لا يمكن تخصيصهم

                                                                                                                                            إذ في إخراجهم رفع اللفظ بالكلية . وإن كان فيها مسلم واحد ، والباقي كفار ، دخلوا في الوصية ; لأن إخراجهم بالتخصيص هاهنا بعيد ، وفيه مخالفة الظاهر من وجهين ; أحدهما ، مخالفة لفظ العموم . والثاني ، حمل اللفظ الدال على الجمع على المفرد . وإن كان أكثر أهلها كفارا ، فظاهر كلام الخرقي أنه للمسلمين ; لأنه أمكن حمل اللفظ عليهم ، وصرفه إليهم والتخصيص يصح وإن كان بإخراج الأكثر . ويحتمل أن يدخل الكفار في الوصية ; لأن التخصيص في مثل هذا بعيد ، فإن تخصيص الصورة النادرة قريب ، وتخصيص الأكثر بعيد يحتاج فيه إلى دليل قوي

                                                                                                                                            والحكم في سائر ألفاظ العموم ، مثل أن يوصي لإخوته ، أو عمومته ، أو بني عمه ، أو لليتامى ، أو للمساكين ، كالحكم فيما إذا أوصى لأهل قريته . فأما إن أوصى بذلك كافر ، فإن وصيته تتناول أهل دينه ; لأن لفظه يتناولهم ، وقرينة حاله إرادتهم ، فأشبه وصية المسلم التي يدخل فيها أهل دينه . وهل يدخل في وصيته المسلمون ؟ نظرنا ، فإن وجدت قرينة دالة على دخولهم ، مثل أن لا يكون في القرية إلا مسلمون ، دخلوا في الوصية ، وكذلك إن لم يكن فيها إلا كافر واحد ، وسائر أهلها مسلمون ، وإن انتفت القرائن ، ففي دخولهم وجهان ; أحدهما ، لا يدخلون ، كما لم يدخل الكفار في وصية المسلم

                                                                                                                                            والثاني ، يدخلون ; لأن عموم اللفظ يتناولهم ، هم أحق بوصيته من غيرهم ، فلا يصرف اللفظ عن مقتضاه ، ومن هو أحق بحكمه إلى غيره . وإن كان في القرية كافر من غير أهل دين الموصي ، لم يدخل في وصيته ; لأن قرينة حال الموصي تخرجه ، ولم يوجد فيه ما وجد في المسلم من الأولوية ، فبقي خارجا بحاله . ويحتمل أن لا يخرج ، بناء على توريث الكفار بعضهم من بعض على اختلاف دينهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية