الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 250 ] [ ص: 251 ] الطرف الثاني

              فيما يتعلق بالمجتهد من الأحكام من جهة فتواه .

              والنظر فيه في مسائل :

              [ ص: 252 ] [ ص: 253 ] المسألة الأولى

              المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم .

              والدليل على ذلك أمور :

              أحدها : النقل الشرعي في الحديث : إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم .

              وفي الصحيح : بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج من أظافري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم ، وهو في معنى الميراث .

              [ ص: 254 ] وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - نذيرا لقوله : إنما أنت نذير [ هود : 12 ] وقال في العلماء : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم الآية [ التوبة : 122 ] ، وأشباه ذلك .

              والثاني : أنه نائب عنه في تبليغ الأحكام ، لقوله : ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب .

              وقال : بلغوا عني ولو آية .

              وقال : " تسمعون ويسمع منكم ، ويسمع ممن يسمع منكم " .

              [ ص: 255 ] وإذا كان كذلك ، فهو معنى كونه قائما مقام النبي .

              والثالث : أن المفتي شارع من وجه ؛ لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها ، وإما مستنبط من المنقول ، فالأول يكون فيه مبلغا ، والثاني يكون فيه قائما مقامه في إنشاء الأحكام ، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع ، فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه شارع ، واجب اتباعه والعمل على وفق ما قاله ، وهذه هي الخلافة على [ ص: 256 ] التحقيق ، بل القسم الذي هو فيه مبلغ لا بد من نظره فيه من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية ، ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام ، وكلا الأمرين راجع إليه فيها ، فقد قام مقام الشارع أيضا في هذا المعنى ، وقد جاء في الحديث : " أن من قرأ القرآن ، فقد أدرجت النبوة بين جنبيه " .

              [ ص: 257 ] وعلى الجملة فالمفتي مخبر عن الله كالنبي ، وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي ، ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي ، ولذلك سموا أولي الأمر ، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ] والأدلة على هذا المعنى كثيرة .

              فإذا ثبت هذا انبنى عليه معنى آخر ، وهي :

              التالي السابق


              الخدمات العلمية