الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سيب ]

                                                          سيب : السيب : العطاء ، والعرف ، والنافلة . وفي حديث الاستسقاء : واجعله سيبا نافعا . أي : عطاء ، ويجوز أن يريد مطرا سائبا أي جاريا . والسيوب : الركاز ، لأنها من سيب الله وعطائه ؛ وقال ثعلب : هي المعادن . وفي كتابه لوائل بن حجر : وفي السيوب الخمس ؛ قال أبو عبيد : السيوب الركاز ؛ قال : ولا أراه أخذ إلا من السيب ، وهو العطاء ؛ وأنشد :


                                                          فما أنا من ريب المنون بجبأ وما أنا من سيب الإله بآيس

                                                          وقال أبو سعيد : السيوب عروق من الذهب والفضة ، تسيب في المعدن أي تتكون فيه وتظهر ، سميت سيوبا لانسيابها في الأرض ، قال الزمخشري : السيوب جمع سيب ، يريد به المال المدفون في الجاهلية ، أو المعدن لأنه من فضل الله وعطائه ، لمن أصابه . وسيب الفرس : شعر ذنبه . والسيب : مردي السفينة . والسيب مصدر ساب الماء يسيب سيبا : جرى . والسيب : مجرى الماء ، [ ص: 315 ] وجمعه سيوب . وساب يسيب : مشى مسرعا . وسابت الحية تسيب إذا مضت مسرعة ؛ أنشد ثعلب :

                                                          أتذهب سلمى في اللمام فلا ترى     وبالليل أيم حيث شاء يسيب

                                                          وكذلك انسابت تنساب . وساب الأفعى انساب إذا خرج من مكمنه . وفي الحديث : أن رجلا شرب من سقاء ؛ فانسابت في بطنه حية ، فنهي عن الشرب من فم السقاء ، أي دخلت وجرت مع جريان الماء . يقال : ساب الماء وانساب إذا جرى . وانساب فلان نحوكم : رجع . وسيب الشيء : تركه . وسيب الدابة ، أو الناقة ، أو الشيء : تركه يسيب حيث شاء . وكل دابة تركتها وسومها ، فهي سائبة . والسائبة : العبد يعتق على أن لا ولاء له . والسائبة : البعير يدرك نتاج نتاجه ، فيسيب ، ولا يركب ، ولا يحمل عليه . والسائبة التي في القرآن العزيز ، في قوله تعالى : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ؛ كان الرجل في الجاهلية إذا قدم من سفر بعيد ، أو برئ من علة ، أو نجته دابة من مشقة أو حرب قال : ناقتي سائبة أي تسيب فلا ينتفع بظهرها ، ولا تحلأ عن ماء ، ولا تمنع من كلأ ، ولا تركب ؛ وقيل : بل كان ينزع من ظهرها فقارة ، أو عظما ، فتعرف بذلك ؛ فأغير على رجل من العرب ، فلم يجد دابة يركبها ، فركب سائبة ، فقيل : أتركب حراما ؟ فقال : يركب الحرام من لا حلال له ، فذهبت مثلا . وفي الصحاح : السائبة الناقة التي كانت تسيب في الجاهلية لنذر ونحوه ؛ وقد قيل : هي أم البحيرة ؛ كانت الناقة إذا ولدت عشرة أبطن ، كلهن إناث ، سيبت فلم تركب ، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو الضيف حتى تموت ، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء جميعا ، وبحرت أذن بنتها الأخيرة ، فتسمى البحيرة ، وهي بمنزلة أمها في أنها سائبة ، والجمع سيب ، مثل نائم ونوم ، ونائحة ونوح . وكان الرجل إذا أعتق عبدا وقال : هو سائبة ، فقد عتق ، ولا يكون ولاؤه لمعتقه ، ويضع ماله حيث شاء ، وهو الذي ورد النهي عنه . قال ابن الأثير : قد تكرر في الحديث ذكر السائبة والسوائب ؛ قال : كان الرجل إذا نذر لقدوم من سفر ، أو برء من مرض ، أو غير ذلك قال : ناقتي سائبة ، فلا تمنع من ماء ، ولا مرعى ، ولا تحلب ، ولا تركب ؛ وكان إذا أعتق عبدا فقال : هو سائبة ، فلا عقل بينهما ، ولا ميراث ؛ وأصله من تسييب الدواب ، وهو إرسالها تذهب وتجيء ، حيث شاءت . وفي الحديث : رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار . وكان أول من سيب السوائب ، وهي التي نهى الله عنها بقوله : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ؛ فالسائبة : أم البحيرة ، وهو مذكور في موضعه . وقيل : كان أبو العالية سائبة ، فلما هلك ، أتي مولاه بميراثه ، فقال : هو سائبة ، وأبى أن يأخذه . وقال الشافعي : إذا أعتق عبده سائبة ، فمات العبد وخلف مالا ، ولم يدع وارثا غير مولاه الذي أعتقه ، فميراثه لمعتقه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الولاء لحمة كلحمة النسب ، فكما أن لحمة النسب لا تنقطع ، كذلك الولاء ؛ وقد قال ، صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : السائبة والصدقة ليومهما . قال أبو عبيدة في قوله " ليومهما " : أي : يوم القيامة واليوم الذي كان أعتق سائبته ، وتصدق بصدقته فيه . يقول : فلا يرجع إلى الانتفاع بشيء منها بعد ذلك في الدنيا ، وذلك كالرجل يعتق عبده سائبة ، فيموت العبد ويترك مالا ، ولا وارث له ، فلا ينبغي لمعتقه أن يزرأ من ميراثه شيئا إلا أن يجعله في مثله . وقال ابن الأثير : قوله الصدقة والسائبة ليومهما ، أي يراد بهما ثواب يوم القيامة ؛ أي من أعتق سائبته ، وتصدق بصدقة ، فلا يرجع إلى الانتفاع بشيء منها بعد ذلك في الدنيا ، وإن ورثهما عنه أحد فليصرفهما في مثلهما ، قال : وهذا على وجه الفضل ، وطلب الأجر ، لا على أنه حرام ، وإنما كانوا يكرهون أن يرجعوا في شيء جعلوه لله وطلبوا به الأجر . وفي حديث عبد الله : السائبة يضع ماله حيث شاء ؛ أي العبد الذي يعتق سائبة ولا يكون ولاؤه لمعتقه ، ولا وارث له ، فيضع ماله حيث شاء ، وهو الذي ورد النهي عنه . وفي الحديث : عرضت علي النار فرأيت صاحب السائبتين يدفع بعصا ، السائبتان : بدنتان أهداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى البيت ، فأخذهما رجل من المشركين فذهب بهما . سماهما سائبتين لأنه سيبهما لله تعالى . وفي حديث عبد الرحمن بن عوف : أن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم . السيوب : ما سيب وخلي فساب ، أي ذهب . وساب في الكلام : خاض فيه بهذر ؛ أي التلطف والتقلل منه أبلغ من الإكثار . ويقال : ساب الرجل في منطقه إذا ذهب فيه كل مذهب . والسياب ، مثل السحاب : البلح . قال أبو حنيفة : هو البسر الأخضر ، واحدته سيابة ؛ وبها سمي الرجل ؛ قال أحيحة :


                                                          أقسمت لا أعطيك في     كعب ومقتله سيابه

                                                          فإذا شددته ضممته ، فقلت : سياب وسيابة ؛ قال أبو زبيد :


                                                          أيام تجلو لنا عن بارد رتل     تخال نكهتها بالليل سيابا

                                                          أراد نكهة سياب وسيابة أيضا . الأصمعي : إذا تعقد الطلع حتى يصير بلحا ، فهو السياب ، مخفف ، واحدته سيابة ؛ وقال شمر : هو السدى والسداء ، ممدود بلغة أهل المدينة ؛ وهي السيابة ، بلغة وادي القرى ؛ وأنشد للبيد :


                                                          سيابة ما بها عيب ولا أثر

                                                          قال : وسمعت البحرانيين ، تقول : سياب وسيابة . وفي حديث أسيد بن حضير : لو سألتنا سيابة ما أعطيناكها ، هي بفتح السين والتخفيف : البلحة ، وجمعها سياب . والسيب : التفاح ، فارسي ؛ قال أبو العلاء : وبه سمي سيبويه : سيب تفاح ، وويه رائحته ، فكأنه رائحة تفاح . وسائب : اسم من ساب يسيب إذا مشى مسرعا ، أو من ساب الماء إذا جرى . والمسيب : من شعرائهم . والسوبان : اسم واد ، والله تعالى أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية