الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "فما أحسن هؤلاء؛ ولا أجملوا حين دعوك [ ص: 549 ] للإشراك بالله؛ وما عبدوه حق عبادته؛ إذ أشركوا به"؛ عطف عليه قوله: وما قدروا ؛ وأظهر الاسم الأعظم في أحسن مواطنه؛ فقال: الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ حق قدره ؛ أي: ما عظموه كما يجب له؛ فإنه لو استغرق الزمان في عبادته؛ وخالص طاعته؛ بحيث لم يخل شيء منه عنها؛ لما كان ذلك حق قدره؛ فكيف إذا خلا بعضه عنها؟! فكيف إذا عدل به غيره؟!

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر تعظيم كل شيء ينسب إليه؛ دل على باهر قدرته؛ الذي هو لازم القبض والطي؛ بما يكون من الحال في طي هذا الكون؛ فقال - كناية عن العظمة بذلك -: والأرض ؛ أي: والحال أنها؛ وقدمها لمباشرتهم لها؛ ومعرفتهم بحقيقتها؛ ولما كان ما يدركون منها من السعة والكبر كافيا في العظمة؛ وإن لم يدركوا أنها سبع؛ أكد بما يصلح لجميع طبقاتها؛ تنبيها للبصراء على أنها سبع؛ من غير تصريح به؛ فقال: جميعا ؛ ولما كان أحقر ما عند الإنسان وأخفه عليه ما يحويه في قبضته؛ مثل بذلك في قوله - مخبرا عن المبتدإ؛ مفردا بفتح القاف؛ لأنه أقعد في تحقير الأشياء العظيمة بالنسبة إلى جليل عظمته -: قبضته [ ص: 550 ] ولما كان في الدنيا من يدعي الملك والقهر والعظمة والقدرة؛ وكان الأمر في الآخرة بخلاف هذا؛ لانقطاع الأسباب؛ قال: يوم القيامة ؛ ولا قبضة هناك حقيقة؛ ولا مجازا؛ وكذا الطي واليمين؛ وإنما تمثيل؛ وتخييل لتمام القدرة؛ ولما كانوا يعلمون أن السماوات سبع؛ متطابقة؛ بما يشاهدون من سير النجوم؛ جمع؛ ليكون مع "جميعا"؛ كالتصريح في جميع الأرض أيضا؛ في قوله: والسماوات مطويات ؛ ولما كان العالم العلوي أشرف؛ شرفه عند التمثيل باليمين؛ فقال: بيمينه ؛ ولما كان هذا إنما هو تمثيل بما نعهد؛ والمراد به الغاية في القدرة؛ نزه نفسه المقدس عما ربما تشبث به المجسم؛ والمشبه؛ فقال: سبحانه ؛ أي: تنزه من هذه القدرة قدرته؛ عن كل شائبة نقص؛ وما يؤدي إلى النقص من الشرك؛ والتجسيم؛ وما شاكله؛ وتعالى ؛ علوا لا يحاط به؛ عما يشركون ؛ أي: إن علوه عن ذلك علو من يبالغ فيه؛ فهو في غاية من العلو؛ لا يكون وراءها غاية؛ لأنه لو كان له شريك لنازعه هذه القدرة؛ أو بعضها؛ فمنعه شيئا منها؛ وهذه معبوداتهم؛ لا قدرة لها على شيء؛ روى البخاري في صحيحه؛ في التوحيد؛ وغيره؛ عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء حبر من اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إذا [ ص: 551 ] كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع؛ والأرضين على إصبع؛ والماء والثرى على إصبع؛ والخلائق على إصبع؛ ثم يميزهن؛ ثم يقول: (أنا الملك) ؛ فلقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك حتى بدت نواجذه - تعجيبا؛ وتصديقا لقوله - ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وما قدروا الله حق قدره ؛ إلى: يشركون وروى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يطوي الله السماوات يوم القيامة؛ ثم يأخذهن بيده اليمنى؛ ثم يقول: (أنا الملك؛ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) ؛ ثم يطوي الأرضين؛ ثم يأخذهن بشماله؛ ثم يقول: (أنا الملك؛ أين الجبارون؟ أين المتكبرون)"؛ وللبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقبض الله الأرض يوم القيامة؛ ويطوي السماء بيمينه؛ ثم يقول: (أنا الملك؛ أين ملوك الأرض؟)".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية