الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2371 [ ص: 104 ] 15 - باب: الاشتراك في الهدي والبدن، وإذا أشرك الرجل الرجل في هديه بعدما أهدى 2505 ، 2506 - حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، أخبرنا عبد الملك بن جريج عن عطاء، عن جابر.

                                                                                                                                                                                                                              وعن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهم، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبح رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج، لا يخلطهم شيء، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة، وأن نحل إلى نسائنا، ففشت في ذلك القالة. قال عطاء: فقال جابر: فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا. فقال جابر بكفه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال: "بلغني أن أقواما يقولون كذا وكذا، والله لأنا أبر وأتقى لله منهم، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت". فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله، هي لنا أو للأبد؟ فقال: "لا، بل للأبد". قال: وجاء علي بن أبي طالب –فقال أحدهما يقول: لبيك بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: وقال الآخر: لبيك بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم على إحرامه، وأشركه في الهدي. [انظر: 1085، 1557 - مسلم: 1216، 1240 - فتح: 5 \ 137]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث جابر وابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج، لا يخلطهم شيء، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة" .. إلى قوله: وجاء علي فقال: لبيك بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يقيم على إحرامه، وأشركه في الهدي.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الحج.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 105 ] وقوله: (صبح رابعة من ذي الحجة) قال الداودي: اختلف فيه، وكان خروجه من المدينة لخمس بقين في ذي القعدة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (مهلين بالحج لا يخلطه شيء) فيه دلالة واضحة على الإفراد. وقوله: (ففشت في ذلك القالة) هي أنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، كما سلف فأجازها الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: هو فسخ الحج إلى العمرة، كما سلف هناك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في علي: (وأشركه في الهدي) الشارع قلد هديه من ذي الحليفة، وقدم علي بالبدن فأمره أن يهدي منها هديا، وكذا جاء في حديث آخر أن عليا قدم ومعه الهدي.

                                                                                                                                                                                                                              وقال المهلب: لا يصح في هذا الحديث ما ترجم له من الاشتراك في الهدي بغير ما أهدى; لأنه ما كان بعد تقليد الهدي وإشعاره، وإنما هو تشريك في الفضل; لأنه لا يجوز هبة الهدي ولا بيعه بعد تقليده، وما كان قبل تقليده يمكن الشركة في رقابه وهبته لمن يهدي عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب ابن بطال فقال: ذكر البخاري في المغازي عن بريدة الأسلمي أنه صلى الله عليه وسلم كان بعث عليا إلى اليمن قبل حجة الوداع، ليقبض الخمس، وقال غير جابر: فقدم علي من سعايته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بم أهللت يا علي؟ ". فقال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "فأهد وامكث حراما كما أنت". قال: فأهدى له علي هديا،فهذا تفسير قوله: (وأشركه في الهدي) أنه الهدي الذي أهداه علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 106 ] وجعل له ثوابه. فيحتمل أن يفرده بثواب ذلك الهدي كله، فهو تشريك له في هديه; لأنه أهداه عنه صلى الله عليه وسلم متطوعا من ماله، ويحتمل أن يشركه في ثواب هدي واحد يكون بينهما، كما ضحى صلى الله عليه وسلم عنه وعن أهل بيته بكبش، وعمن لم يضح من أمته وأشركهم في ثوابه، ويجوز الاشتراك في هدي التطوع، وراجع اختلاف العلماء في الاشتراك في الهدي من الحج، تجده واضحا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية