الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (152) قوله تعالى : صدقكم : "صدق " يتعدى لاثنين ، أحدهما بنفسه والآخر بالحرف ، وقد يحذف كهذه الآية ، والتقدير : صدقكم في وعده كقولهم : "صدقته الحديث " ، و "في الحديث " . و " إذ تحسونهم " معمول لـ "صدقكم " أي : صدقكم في ذلك الوقت ، وهو وقت حسهم أي قتلهم . وأجاز أبو البقاء أن يكون معمولا للوعد في قوله : "وعده " ، وفيه نظر لأن الوعد متقدم على هذا الوقت . يقال : "حسسته أحسه " أي : قتلته . وقرأ أبو عبيد : "تحسونهم " رباعيا أي : أذهبتم حسهم بالقتل . و "بإذنه " متعلق بمحذوف لأنه حال من فاعل "تحسونهم " أي : تقتلونهم مأذونا لكم في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : حتى إذا فشلتم في "حتى " هذه قولان ، أحدهما : أنها حرف جر بمعنى "إلى " وفي متعلقها حينئذ ثلاثة أوجه : أحدها : أنها متعلقة بـ "تحسونهم " أي : تقتلونهم إلى هذا الوقت . والثاني : أنها متعلقة بـ "صدقكم " ، وهو ظاهر قول الزمخشري قال : "ويجوز أن يكون المعنى : صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم " . والثالث : أنها متعلقة بمحذوف دل عليه السياق ، قال أبو البقاء : "تقديره : دام لكم ذلك إلى وقت فشلكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 437 ] القول الثاني : أنها حرف ابتداء داخلة على الجملة الشرطية ، و "إذا " على بابها من كونها شرطية ، وفي جوابها حينئذ ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه "وتنازعتم " قال الفراء : "وتكون الواو زائدة " . والثاني : أنه "ثم صرفكم " و "ثم " زائدة ، وهذا القولان ضعيفان جدا . والثالث - وهو الصحيح - : أنه محذوف ، واختلفت عبارتهم في تقديره ، فقدره ابن عطية : "انهزمتم " ، وقدره الزمخشري : "منعكم نصره " ، وقدره أبو البقاء : "بان لكم أمركم " ، ودل على ذلك قوله : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، وقدره غيره : "امتحنتم " ، وقدره الشيخ : "انقسمتم إلى قسمين ، ويدل عليه ما بعده ، وهو نظير : فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد . قال الشيخ : " لا يقال كيف يقال : انقسمتم إلى مريد الدنيا وإلى مريد الآخرة فيمن فشل وتنازع وعصى ؛ لأن هذه : الأفعال لم تصدر من كلهم بل من بعضهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في " إذا "هذه ، هل هي على بابها أم بمعنى " إذ " ؟ والصحيح الأول سواء قلنا إنها شرطية أم لا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ثم صرفكم عطف على ما قبله ، والجملتان من قوله : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة اعتراض بين المتعاطفين . وقال أبو البقاء : " ثم صرفكم "معطوف على الفعل المحذوف " يعني الذي قدره جوابا للشرط ، ولا حاجة إليه . "وليبتليكم " متعلق بـ "صرفكم " و "أن " مضمرة بعد اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية