الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 497 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ( 12 ) )

يقول - تعالى ذكره - ( إنا نحن نحيي الموتى ) من خلقنا ( ونكتب ما قدموا ) في الدنيا من خير وشر ، وصالح الأعمال وسيئها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا ) من عمل .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ونكتب ما قدموا ) قال : ما عملوا .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( ما قدموا ) قال : أعمالهم .

وقوله ( وآثارهم ) يعني : وآثار خطاهم بأرجلهم ، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليقرب عليهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : ثنا أبو أحمد الزبيري قال : ثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنزلت ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) فقالوا : نثبت في مكاننا .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا قال : [ ص: 498 ] فنزلت ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) فثبتوا .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا عبد الصمد قال : ثنا شعبة قال : ثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، عن جابر قال : أراد بنو سلمة قرب المسجد قال : فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بني سلمة دياركم إنها تكتب آثاركم " .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا معتمر قال : سمعت كهمسا يحدث ، عن أبي نضرة ، عن جابر قال : أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد قال : والبقاع خالية ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " يا بني سلمة دياركم إنها تكتب آثاركم " قال : فأقاموا وقالوا : ما يسرنا أنا كنا تحولنا .

حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي قال : ثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن طريف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : شكت بنو سلمة بعد منازلهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ) فقال : " عليكم منازلكم تكتب آثاركم " .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا أبو نميلة قال : ثنا الحسين ، عن ثابت قال : مشيت مع أنس ، فأسرعت المشي ، فأخذ بيدي ، فمشينا رويدا ، فلما قضينا الصلاة قال أنس : مشيت مع زيد بن ثابت ، فأسرعت المشي ، فقال : يا أنس أما شعرت أن الآثار تكتب ؟ .

حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن أن بني سلمة كانت دورهم قاصية عن المسجد ، فهموا أن يتحولوا قرب المسجد ، فيشهدون الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألا تحتسبون آثاركم يا بني سلمة؟ " فمكثوا في ديارهم .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم ابن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله ( ما قدموا وآثارهم ) قال : خطاهم بأرجلهم .

[ ص: 499 ] حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وآثارهم ) قال : خطاهم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وآثارهم ) قال : قال الحسن : وآثارهم قال : خطاهم . وقال قتادة : لو كان مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار .

وقوله ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) يقول - تعالى ذكره - : وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه ، فأثبتناه في أم الكتاب ، وهو الإمام المبين . وقيل ( مبين ) لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( في إمام مبين ) قال : في أم الكتاب .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) كل شيء محصى عند الله في كتاب .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) قال : أم الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية