الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب

                                                                                                                                                                                                                                      وقال رجل مؤمن من آل فرعون قيل : كان قبطيا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرا، وقيل : كان إسرائيليا أو غريبا موحدا . يكتم إيمانه أي : من فرعون وملئه . أتقتلون رجلا أتقصدون قتله . أن يقول لأن يقول أو كراهة أن يقول . ربي الله أي : وحده من غير روية وتأمل في أمره . وقد جاءكم بالبينات والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الظاهرة التي شاهدتموها وعهدتموها . من ربكم أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا عليهم، واستنزالا لهم عن رتبة المكابرة ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال : وإن يك كاذبا فعليه كذبه لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله . وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم أي : إن لم يصبكم كله فلا أقل من إصابة بعضه لاسيما إن تعرضتم له بسوء، وهذا كلام صادر عن غاية الإنصاف، وعدم التعصب . ولذلك قدم من شقي الترديد كونه كاذبا، أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا، وهو بعض ما يعدهم كأنه خوفهم بما أظهر احتمالا عندهم، وتفسير البعض بالكل مستدلا بقول لبيد :

                                                                                                                                                                                                                                      تراك أمكنة إذا لم أرضها . . . أو يرتبط بعض النفوس حمامها

                                                                                                                                                                                                                                      مردود لما أن مراده بالبعض نفسه إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب احتجاج آخر ذو وجهين أحدهما : أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى إلى البينات ولما أيده بتلك المعجزات، وثانيهما : إن كان كذلك خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراهم المعنى الثاني وهو عاكف على المعنى الأول لتلين شكيمتهم . وقد عرض به لفرعون بأنه [ ص: 275 ] مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل الصواب، ومنهاج النجاة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية