الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب

                                                                                                                                                                                                                                      28 - وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ؛ قيل: كان قبطيا؛ ابن عم لفرعون؛ آمن بموسى سرا؛ و"من آل فرعون"؛ صفة لـ "رجل"؛ وقيل: كان إسرائيليا؛ و"من آل فرعون"؛ صلة لـ "يكتم"؛ أي: يكتم إيمانه من آل فرعون؛ واسمه "سمعان"؛ أو "حبيب"؛ أو "خربيل"؛ أو "حزبيل"؛ والظاهر الأول؛ أتقتلون رجلا أن يقول ؛ لأن يقول؛ وهذا إنكار منه عظيم؛ كأنه قيل: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة؛ وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق؛ وهي قوله: ربي الله ؛ وهو ربكم أيضا؛ لا ربه وحده؛ وقد جاءكم ؛ الجملة حال؛ بالبينات من ربكم ؛ يعني أنه لم يحضر لتصحيح قوله ببينة واحدة؛ ولكن ببينات من عند من نسبت إليه الربوبية؛ وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به؛ وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ؛ احتج عليهم بطريق التقسيم؛ فإنه لا يخلو من أن يكون كاذبا؛ أو صادقا؛ فإن يك كاذبا فعليه وبال كذبه؛ ولا يتخطاه؛ وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب؛ ولم يقل "كل الذي يعدكم"؛ مع أنه وعد من نبي صادق القول؛ مداراة لهم؛ وسلوكا لطريق الإنصاف؛ فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم له؛ وليس فيه نفي إصابة الكل؛ فكأنه قال لهم: لعل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض ما يعدكم؛ وهو العذاب العاجل؛ وفي ذلك هلاككم؛ وكان وعدهم عذاب الدنيا؛ والآخرة؛ وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل أيضا؛ وتفسير البعض بالكل مزيف؛ إن الله لا يهدي من هو مسرف ؛ مجاوز للحد؛ كذاب ؛ في ادعائه؛ وهذا أيضا من باب المجاملة؛ [ ص: 209 ] والمعنى أنه إن كان مسرفا كذابا؛ خذله الله؛ وأهلكه؛ فتتخلصون منه؛ أو لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله بالنبوة؛ ولما عضده بالبينات؛ وقيل: أوهم أنه عنى بالمسرف موسى؛ وهو يعني به فرعون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية