الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ) لما بين الأصل الأول وهو التوحيد ، وأشار إلى الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله : ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) شرع في بيان الأصل الثالث وهو الحشر ، وقد ذكرنا مرارا أن الأصول الثلاثة لا يكاد ينفصل بعضها عن بعض في الذكر الإلهي ، فأينما يذكر الله تعالى منها اثنين يذكر الثالث .

                                                                                                                                                                                                                                            وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الإنسان متى رأى بدء الخلق حتى يقال : ( أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ) ؟ فنقول المراد : العلم الواضح الذي كالرؤية والعاقل يعلم أن البدء من الله لأن الخلق الأول لا يكون من مخلوق وإلا لما كان الخلق الأول خلقا أول فهو من الله ، هذا إن قلنا : أن المراد إثبات نفس الخلق ، وإن قلنا إن المراد بالبدء خلق الآدمي أولا ، وبالإعادة خلقه ثانيا ، فنقول : العاقل لا يخفى عليه أن خالق نفسه ليس إلا قادر حكيم يصور الأولاد في الأرحام ، ويخلقه من نطفة في غاية الإتقان والإحكام ، فذلك الذي خلق أولا معلوم ظاهر فأطلق على ذلك العلم لفظ الرؤية ، وقال : ( أولم يروا ) أي ألم يعلموا علما ظاهرا واضحا ( كيف يبدئ الله الخلق ) يخلقه من تراب يجمعه فكذلك يجمع أجزاءه من التراب ينفخ فيه روحه ، بل هو أسهل بالنسبة إليكم ، فإن من نحت حجارات ووضع شيئا بجنب شيء ففرقه أمر ما فإنه يقول : وضعه شيئا بجنب شيء في هذه النوبة أسهل علي لأن الحجارات منحوتة ، ومعلوم أن آية واحدة منها تصلح لأن تكون بجنب الأخرى ، وعلى هذا المخرج خرج كلام الله في قوله ( وهو أهون ) (الروم : 27 ) وإليه الإشارة بقوله : ( إن ذلك على الله يسير ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال : ( أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ) علق الرؤية بالكيفية لا بالخلق وما قال : أولم يروا أن الله خلق ، أو بدأ الخلق ، والكيفية غير معلومة ؟ فنقول هذا القدر من الكيفية معلوم ، وهو أنه خلقه ولم يكن شيئا مذكورا ، وأنه خلقه من نطفة هي من غذاء هو من ماء وتراب ، وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة فإن الإعادة مثله .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 42 ] المسألة الثالثة : لم قال : ( ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ) فأبرز اسمه مرة أخرى ، ولم يقل إن ذلك عليه يسير كما قال : ثم يعيده من غير إبراز ؟ نقول مع إقامة البرهان على أنه يسير فأكده بإظهار اسمه فإنه يوجب المعرفة أيضا بكون ذلك يسيرا ، فإن الإنسان إذا سمع لفظ الله وفهم معناه أنه الحي القادر بقدرة كاملة ، لا يعجزه شيء ، العالم بعلم محيط بذرات كل جسم ، نافذ الإرادة لا راد لما أراده ، يقطع بجواز الإعادة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية