الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 45 ] ( والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم )

                                                                                                                                                                                                                                            لما بين الأصلين التوحيد والإعادة وقررهما بالبرهان وهدد من خالفه على سبيل التفصيل فقال : ( والذين كفروا بآيات الله ولقائه ) إشارة إلى الكفار بالله ، فإن لله في كل شيء آية دالة على وحدانيته ، فإذا أشرك كفر بآيات الله ، وإشارة إلى المنكر للحشر فإن من أنكره كفر بلقاء الله فقال : ( أولئك يئسوا من رحمتي ) لما أشركوا أخرجوا أنفسهم عن محل الرحمة لأن من يكون له جهة واحدة تدفع حاجته لا غير يرحم ، وإذا كان له جهات متعددة لا يبقي محلا للرحمة ، فإذا جعلوا لهم آلهة لم يعترفوا بالحاجة إلى طريق متعين فييأسوا من رحمة الله ، ولما أنكروا الحشر وقالوا : لا عذاب فناسب تعذيبهم تحقيقا للأمر عليهم ، وهذا كما أن الملك إذا قال أعذب من يخالفني فأنكره بعيد عنه وقال هو لا يصل إلي ، فإذا أحضر بين يديه يحسن منه أن يعذبه ، ويقول هل قدرت وهل عذبت أم لا ؟ فإذن تبين أن عدم الرحمة يناسب الإشراك ، والعذاب الأليم يناسب إنكار الحشر . ثم إن في الآية فوائد :

                                                                                                                                                                                                                                            إحداها : قوله : ( أولئك يئسوا ) حتى يكون منبئا عن حصر الناس فيهم وقال أيضا ( وأولئك لهم عذاب أليم ) لذلك ، ولو قال : أولئك الذين كفروا بآيات الله ولقائه يئسوا من رحمتي ولهم عذاب أليم ، ما كان يحصل هذه الفائدة ، فإن قال قائل : لو اكتفى بقوله ( أولئك ) مرة واحدة كان يكفي في إفادة ما ذكر ، ثم قلنا لا وذلك لأنه لو قال أولئك يئسوا ولهم عذاب ، كان يذهب وهم أحد إلى أن هذا المجموع منحصر فيهم ، فلا يوجد المجموع إلا فيهم ولكن واحدا منهما وحده يمكن أن يوجد في غيرهم ، فإذا قال أولئك يئسوا وأولئك لهم عذاب أفاد أن كل واحد لا يوجد إلا فيهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثانية : عند ذكر الرحمة أضافها إلى نفسه فقال رحمتي وعند العذاب لم يضفه لسبق رحمته ، وإعلاما لعباده بعمومها لهم ولزومها له .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالثة : أضاف اليأس إليهم بقوله : ( أولئك يئسوا ) فحرمها عليهم ولو طمعوا لأباحها لهم ، فلو قال قائل : ما ذكرت من مقابلة الأمرين وهما : اليأس والعذاب ، بأمرين وهما : الكفر بالآيات ، والكفر باللقاء ، يقتضي أن لا يكون العذاب الأليم لمن كفر بالله واعترف بالحشر ، أو لا يكون اليأس لمن كفر بالحشر وآمن بالله ، فنقول : معنى الآية أنهم يئسوا ولهم عذاب أليم زائد بسبب كفرهم بالحشر ، ولا شك أن التعذيب بسبب الكفر بالحشر لا يكون إلا للكافر بالحشر ، وأما الآخر فالكافر بالحشر لا يكون مؤمنا بالله ؛ لأن الإيمان به لا يصح إلا إذا صدقه فيما قاله ، والحشر من جملة ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية