الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ أقسام الفعل ] والفعل ينقسم إلى ماض وأمر ومضارع . فأما المضارع : فلم يستعمل في الشرع في شيء أصلا إلا في لفظة " أشهد " في الشهادة ، فإنها تعينت ولم يقم غيرها مقامها ، وكذلك في اللعان سواء قلنا : إنه يمين أو شهادة ، أو فيه شائبة من أحدهما ، ويجوز في اليمين : أقسم بالله وأشهد ، ولا يتعين . وأما الماضي : فيعمل به في الإنشاءات كالعقود والطلاق .

                                                      وأما فعل الأمر : فهي مسألة الإيجاب والاستيجاب في العقود والطلاق ، فكذا يعمل به في كل موضع يعمل بالماضي على الصحيح . الثالث : صيغ العقود كبعت وطلقت لا شك في كونها وضعت في اللغة للإخبار عن أمر ماض ، وأما في الشرع فقد يستعمل كذلك كما إذا صدر عن إنسان بيع أو طلاق أو غيرهما ، ثم قال : بعت أو طلقت ومراده [ ص: 39 ] الإخبار عما نص . وقد يستعمل لاستحداث أحكام لم تكن قبل ، فهل هي إخبارات والحالة هذه باقية على الأوضاع اللغوية ، أو إنشاءات بمعنى أن الشارع نقلها إلى الإنشاءات المخصوصة ؟ فيه قولان . والأكثرون منهمالرازي وأتباعه على الثاني ونسب الأول للحنفية ، وأنكره القاضي شمس الدين السروجي في " الغاية " ، وقال : المعروف عند أصحابنا أنها إنشاءات .

                                                      قلت : وما قاله صاحب " البديع " : إنه الحق حينئذ ، فلا خلاف بين الفريقين ، ولهذا أجمعوا على ثبوت أحكامها عند التلفظ بها ، وإنما اختلفوا هل يثبت مع آخر حرف من حروفها أو عقبه ، ونسب الأصفهاني في " شرح المحصول " القول بأنها إخبارات لاختبار أئمة النظر من الخلافيين . قالوا : وهو تفريع على القول بالنقل الشرعي إما مطلقا كقول المعتزلة أو إلى مجازاتها اللغوية ، ولا يتأتى على رأي القاضي ، وتحرير القول بالإخبار : أن معنى قولك : بعت ، الإخبار عما في قلبك ، فإن أصل البيع هو التراضي ، ووضعت لفظة بعت للدلالة على الرضى ، فكأنه أخبر بها عما في ضميره بتقدير وجودها قبيل اللفظ للضرورة ، وغاية ذلك أن يكون مجازا ، وهو أولى من النقل . والقائلون بأنها إنشاء قالوا : ليس معناه أنها نقلت عن معنى الإخبار بالكلية ، ووضعت لإيقاع هذه الأمور ، بل معناه أنها صيغ يتوقف صحة مدلولاتها اللغوية على ثبوت هذه الأمور من جهة المتكلم ، فاعتبر الشرع [ ص: 40 ] إيقاعها من جهته بطريق الاقتضاء تصحيحا لهذه الأمور من حيث إنها لم تكن تابعة ، ولهذا كان جعله إنشاء للضرورة حتى لو أمكن العمل بكونه إخبارا لم يجعل إنشاء بأن يقول للمطلقة والمنكوحة : إحداكما طالق ، لا يقع الطلاق إذا قال : قصدت الأجنبية .

                                                      تنبيه كذا فرضوا الخلاف في العقود ، ويلتحق به الحلول كفسخت وطلقت ، فالطلاق إنشاء لا يقوم الإقرار مقامه ، ولكن يؤاخذ ظاهرا بما أقر به ، وبعضهم يجعل الإقرار بالطلاق على صيغته حتى ينفذ ظاهرا وباطنا ، وحكي وجه : أنه يصير إنشاء حتى ينفذ باطنا . قال إمام الحرمين : وهو متلبس فإن الإقرار والإنشاء يتنافيان ، فذلك إخبار عن ماض ، وهذا إحداث في المستقبل ، وذلك يدخله الصدق والكذب ، وهذا بخلافه .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية