الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
درس ( وبطل ) الرهن [ ص: 240 ] بمعنى الارتهان ( بشرط ) أي بسبب اشتراط شرط ( مناف ) لمقتضى العقد ( كأن ) يشترط الراهن أن ( لا يقبض ) من يده أو لا يباع في الدين عند الأجل حيث احتيج إليه ( باشتراطه ) أي الرهن ( في بيع ) أو قرض ( فاسد ظن فيه اللزوم ) أي لزوم الوفاء بالشرط فدفعه لرب الدين وأولى إن لم يظن اللزوم فيرد للراهن ، ولا مفهوم لاشتراطه فلو علم أنه لا يلزمه فدفعه وفات المبيع كان رهنا في قيمته ( و ) من جنى خطأ جناية تحملها العاقلة وظن أن الدية تلزمه بانفراده فأعطى بها رهنا ، ثم علم أن جميعها لا يلزمه ( حلف المخطئ الراهن أنه ظن لزوم الدية ) له بانفراده وما علم عدم اللزوم ، وقوله ( ورجع ) في رهنه راجع للمسائل الثلاثة قبله أي ورجع الرهن جملة في الأولى ، وكذا في الثانية مع قيام المبيع أو من جهة إلى أخرى [ ص: 241 ] كما يرجع في البيع الفاسد من الثمن إلى ما لزم مع الفوات وفي المخطئ الراهن من حصة العاقلة إلى حصته فقط ، ومفهوم قوله ظن لزوم الدية أنه لو علم لزومها للعاقلة فرهن فإنه يكون رهنا في جميع الدية وهو كذلك ( أو ) باشتراطه ( في قرض ) جديد اقترضه مدينه فطلب منه رهنا يكون في الجديد ( مع دين قديم ) من بيع أو قرض ; لأنه سلف جر نفعا وهو توثقه في القديم بالرهن ( وصح ) الرهن ( في الجديد ) بمعنى أنه إذا لم يطلع على ذلك حتى قام الغرماء على الراهن أو عند موته كان المرتهن أحق به في الجديد فقط ويحاصص بالقديم فالمراد بالصحة الاختصاص به عند حصول المانع للراهن لا الصحة المقابلة للفساد إذ هو فاسد فلذا يجب رده قبل المانع فقد تجوز بإطلاق الصحة على الاختصاص .

التالي السابق


( قوله وبطل بشرط إلخ ) ظاهره ولو أسقط الشرط والفرق بين الرهن والبيع المصاحب لشرط مناقض لمقتضاه فإنه يصح إذا أسقط الشرط ، أن قبض الرهن [ ص: 240 ] وبيعه إذا احتيج له كل منهما مأخوذ جزءا من حقيقة الرهن والأمر المناقض لهما مناقض للحقيقة ، وأما شرط عدم التصرف في المبيع فهو مناقض لما يترتب على البيع لا لنفس حقيقته ( قوله بمعنى الارتهان ) الأولى أن يقول بمعنى العقد ; لأن الذي يتصف بالبطلان الرهن بمعنى العقد لا بمعنى الارتهان ولا بمعنى المدفوع للتوثق في حق الصالح لأن يباع ( قوله لمقتضى العقد ) أي لما يقتضيه عقد الرهن من الأحكام فهو يقتضي أن الرهن يقبض من الراهن وأنه يباع إذا لم يوف الراهن الدين فإذا شرط الراهن أنه لا يقبض منه أو أنه لا يباع في الدين الذي رهن فيه كان ذلك الشرط مناقضا لما يقتضيه عقد الرهن ( قوله أو لا يباع في الدين ) أي الذي رهن فيه ( قوله وباشتراطه في بيع فاسد ) يعني أن البيع الفاسد كالواقع وقت نداء الجمعة أو لأجل مجهول والقرض الفاسد كما لو دفع له عفنا في جيد إذا شرط فيه رهن فدفعه المشتري أو المقترض ظانا أنه يلزمه الوفاء بذلك الشرط ، وأولى إذا لم يظن اللزوم بأن دفعه جازما بلزوم الوفاء بالشرط أو شاكا في ذلك فإن الرهن يكون فاسدا ويسترده المرتهن للراهن ولو فات المبيع كما لو ظن أن عليه دينا فدفعه لصاحبه ، ثم تبين أنه لا دين عليه فإنه يسترده ممن أخذه منه ، وأما لو دفعه عالما بأنه لا يلزمه لفساد البيع أو القرض فإنه يرد إذا كان المبيع قائما ، وأما إن فات فإنه يكون رهنا فيما يلزم من قيمة أو مثل كما يأتي للشارح ( قوله فدفعه ) أي المشتري للبائع رهنا على الثمن ظانا أنه يلزمه الوفاء به ، أو دفعه المقترض للمقرض ظانا أنه يلزمه الوفاء به ( قوله فيرد للراهن ) ظاهره ولو فات المبيع ولا يكون رهنا في عوض المبيع من قيمة أو مثل ; لأن الرهن مبني على البيع الفاسد والمبني على الفاسد فاسد وما مشى عليه المصنف من بطلان الرهن المشترط في بيع فاسد إذا دفعه المدين ظانا لزومه وأنه يرد لربه فات المبيع أم لا طريقة لابن شاس وهي خلاف المعتمد والمذهب أنه إذا فات المبيع يكون ذلك الرهن رهنا فيما يلزم المشتري من مثل أو قيمة ، وقد تمحل الشارح فيما يأتي فجعل المصنف ماشيا على ذلك القول .

( قوله ولا مفهوم لاشتراطه ) أي بل المتطوع به كذلك على ظاهر المذهب ظن فيه اللزوم أو لا بل ربما يقال إن المتطوع به أولى بالفساد ; لأنه ربما يتوهم في المشترط العمل بالشرط بخلاف المتطوع به فإن البطلان فيه بديهي كذا في عبق وبحث فيه بن بأنا لا نسلم أن ظاهر المذهب أن المتطوع به كالمشترط فإن ابن يونس فرق بين المشترط والمتطوع به .

( قوله فلو علم إلخ ) هذا مفهوم قوله ظن فيه اللزوم وحاصله أنه لو علم بفساد البيع وأنه لا يلزمه الرهن ودفعه فإنه يرد أيضا لربه لكن إن كان المبيع قائما ، فإن فات المبيع كان رهنا في القيمة وهذا باتفاق حتى على القول الذي مشى عليه المصنف ( قوله وحلف المخطئ إلخ ) أي وإن لم يحلف كان رهنا في الجميع ، وقوله ورجع في رهنه راجع إلخ الأولى أن يقول وقوله ورجع أي الرهن راجع إلخ ; لأن المتبادر من رجع في رهنه أن المعنى ورجع الراهن في رهنه وهذا إنما يظهر في المسألة الأولى وكذا في الثانية على ما مشى عليه من الضعيف ولا يظهر في الثالثة بخلاف قولنا ورجع الرهن فإنه صادق برجوعه بتمامه لربه وبرجوعه من جهة لجهة أخرى فيظهر رجوعه للمسائل الثلاث ( قوله أي ورجع الرهن ) أي لراهنه ، وقوله وجملة أي بتمامه ، وقوله في الأولى أي في المسألة الأولى وهي قوله وبطل بشرط مناف كأن لا يقبض ( قوله وكذا في الثانية مع قيام المبيع إلخ ) المراد بالمسألة الثانية قوله وباشتراطه في بيع فاسد وما ذكره الشارح من أن الرهن فيها يرجع جملة للراهن إن كان المبيع قائما ، وأما إن فات فإن الرهن يرجع من جهة لجهة هذا بناء على المعتمد لا على ما هو ظاهر المصنف من [ ص: 241 ] القول الضعيف ; لأنه عليه يرجع الرهن جملة ولا يرجع من جهة لجهة أصلا كان المبيع قائما أو فات ( قوله كما يرجع في البيع الفاسد ) أي إذا فات المبيع في المسألة الثانية ( قوله من حصة العاقلة ) الأولى من جميع الدية إلى حصته منها فإذا وفى حصته منها أخذ رهنه ولا يبقى رهنا عن العاقلة وهذا إذا خصه شيء منها بأن كان غنيا كبيرا ، فإن كان فقيرا أو صغيرا فلا يلزمه شيء منها وحينئذ فله أن يأخذ رهنه من أول الأمر ( قوله ومفهوم قوله ظن إلخ ) الأولى أن يقول ومفهوم قولنا وظن أن الدية تلزمه ; لأن قول المصنف أنه ظن اللزوم ليس من تصوير المسألة بل المحلوف عليه وإن كان يعلم منه تصوير المسألة تأمل . ( قوله أو باشتراطه في قرض جديد إلخ ) اعلم أن محل فساد الرهن إذا كان المدين معسرا به أو كان الدين القديم مؤجلا حين أخذ الرهن أما لو كان حالا أو حل أجله لصح ذلك إن كان الغريم مليئا ; لأن رب الدين لما كان قادرا على أخذ دينه كان تأخيره كابتداء سلف وكذا لو كان الغريم عديما وكان الرهن له ولم يكن عليه دين محيط ; لأنه حينئذ كالمليء انظر بن .

( تنبيه ) قول المصنف أو في قرض مفهومه لو كان في بيع جديد لصح في البيع القديم والجديد كذا في عبق ونحوه قول ح وانظر لو كان الثاني غير قرض بل من ثمن بيع وشرط أن الأول داخل في رهن الثاني فالظاهر الجواز ا هـ وهو قصور فقد صرح ابن القاسم بالحرمة كما في المواق وكذا صرح أبو الحسن في كتاب الفلس أن دين البيع مثل القرض في الفساد انظر بن وعلة المنع إذا كان الدين الأول حالا اجتماع بيع وسلف وإن كان مؤجلا فالغرر إذ لا منفعة له في الرهن كذا في بن عن ابن رشد وانظر وجهه ( قوله فالمراد بالصحة الاختصاص ) هذا هو الصواب وبه يندفع قول ح كلام المصنف نص في صحة الرهن ولم أقف على ذلك لغيره ا هـ بن ( قوله فلذا يجب رده قبل المانع ) أي فلأجل كونه فاسدا يجب رده إذا اطلع عليه قبل حصول المانع .




الخدمات العلمية