الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون )

                                                                                                                                                                                                                                            لما بين الله تعالى عظمته في الابتداء بقوله : ( ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) وعظمته في الانتهاء ، وهو حين تقوم الساعة ويفترق الناس فريقين ، ويحكم على البعض بأن هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي ، أمر بتنزيهه عن كل سوء وبحمده على كل حال فقال : ( فسبحان الله ) أي سبحوا الله تسبيحا ، وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في معنى سبحان الله ولفظه ، أما لفظه ففعلان اسم للمصدر الذي هو التسبيح ، سمي التسبيح بسبحان وجعل علما له . وأما المعنى فقال بعض المفسرين : المراد منه الصلاة ، أي صلوا ، وذكروا أنه أشار إلى الصلوات الخمس ، وقال بعضهم أراد به التنزيه ، أي نزهوه عن صفات النقص وصفوه بصفات الكمال ، وهذا أقوى ، والمصير إليه أولى ; لأنه يتضمن الأول ; وذلك لأن التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب ، وهو الاعتقاد الجازم ، وباللسان مع ذلك وهو الذكر الحسن ، وبالأركان معهما جميعا وهو العمل الصالح ، والأول هو الأصل ، والثاني ثمرة الأول والثالث ثمرة الثاني ، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد شيئا ظهر [ ص: 92 ] من قلبه على لسانه ، وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحواله وأفعاله ، واللسان ترجمان الجنان ، والأركان برهان اللسان ، لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان ، وهي مشتملة على الذكر باللسان والقصد بالجنان ، وهو تنزيه في التحقيق ، فإذا قال نزهوني ، وهذا نوع من أنواع التنزيه ، والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع ، فيجب حمله على كل ما هو تنزيه فيكون أيضا هذا أمرا بالصلاة ، ثم إن قولنا يناسب ما تقدم ، وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال : ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ) قال : إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات ، والإيمان تنزيه بالجنان وتوحيد باللسان ، والعمل الصالح استعمال الأركان والكل تنزيهات وتحميدات ، فسبحان الله أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض ، والحضور على الحياض .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية