الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ( 158 ) سبحان الله عما يصفون ( 159 ) إلا عباد الله المخلصين ( 160 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وجعل هؤلاء المشركون بين الله وبين الجنة نسبا .

واختلف أهل التأويل في معنى النسب الذي أخبر الله عنهم أنهم جعلوه لله تعالى ، فقال بعضهم : هو أنهم قالوا أعداء الله : إن الله وإبليس أخوان .

[ ص: 121 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) قال : زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى وإبليس أخوان .

وقال آخرون : هو أنهم قالوا : الملائكة بنات الله ، وقالوا : الجنة : هي الملائكة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) قال : قال كفار قريش : الملائكة بنات الله ، فسأل أبو بكر : من أمهاتهن ؟ فقالوا : بنات سروات الجن ، يحسبون أنهم خلقوا مما خلق منه إبليس .

حدثنا عمرو بن يحيى بن عمران بن عفرة قال : ثنا عمرو بن سعيد الأبح ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، في قوله ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) قالت اليهود : إن الله تبارك وتعالى تزوج إلى الجن ، فخرج منهما الملائكة قال : سبحانه سبح نفسه .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) قال : الجنة الملائكة ، قالوا : هن بنات الله .

حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) : الملائكة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) قال : بين الله وبين الجنة نسبا افتروا .

وقوله ( ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : ولقد علمت الجنة إنهم لمشهدون [ ص: 122 ] الحساب .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) إنها ستحضر الحساب .

وقال آخرون : معناه : إن قائلي هذا القول سيحضرون العذاب في النار .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( إنهم لمحضرون ) إن هؤلاء الذين قالوا هذا لمحضرون : لمعذبون . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : إنهم لمحضرون العذاب ، لأن سائر الآيات التي ذكر فيها الإحضار في هذه السورة ، إنما عني به الإحضار في العذاب ، فكذلك في هذا الموضع .

وقوله ( سبحان الله عما يصفون ) يقول - تعالى ذكره - تنزيها لله ، وتبرئة له مما يضيف إليه هؤلاء المشركون به ، ويفترون عليه ، ويصفونه ، من أن له بنات ، وأن له صاحبة .

وقوله ( إلا عباد الله المخلصين ) يقول : ولقد علمت الجنة أن الذين قالوا : إن الملائكة بنات الله لمحضرون العذاب ، إلا عباد الله الذين أخلصهم لرحمته ، وخلقهم لجنته .

التالي السابق


الخدمات العلمية