الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 50 ] مسألة [ عن ابن داود إنكار وقوع المجاز ] حكى الإمام الرازي عن ابن داود إنكار وقوعه في الحديث أيضا واستنكره الأصفهاني ، وقال : تفرد به . قلت : هو لازم من إنكاره في اللغة ، وقال ابن حزم : لا يجوز استعمال مجاز إلا بعد وروده في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . والحاصل : خمسة مذاهب : المنع مطلقا . المنع في القرآن وحده . المنع في القرآن والحديث دون ما عداهما . الوقوع مطلقا . والخامس التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره ، وهو قول ابن حزم وسيأتي . والدليل على وقوعه في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم { لا تبيعوا الصاع بالصاعين } وأراد بالصاع ما فيه بإطلاق اسم المحل على الحال ، وقوله : { أنت ومالك لأبيك } وقوله : وقد ركب فرس أبي طلحة : { إن وجدناه لبحرا } وقال البخاري في كتاب أفعال العباد : أما بيان المجاز من [ ص: 51 ] التحقيق مثل { قول النبي صلى الله عليه وسلم للفرس : وجدته بحرا } . والذي يجوز فيما بين الناس والحقيقة أن مشيه حسن ، كقولك : علم الله معنا وفينا . وقد صنف الشريف الرضي مجلدا في مجازات الآثار كما صنف الشيخ عز الدين في مجاز القرآن .

                                                      تنبيهان الأول كذا فرضوا الخلاف في الوقوع وهو مقتضى الجزم بالجواز ، لكن قال القاضي ابن كج في " كتابه " : وقال قوم : لا يجوز أن يخاطبنا الله تعالى بالمجاز ، وأنه يكون كذبا ، وتمحلوا للمجازات في القرآن حقائق بوجه تعبد ، ثم قال : والجواب عما قالوه : إنه كذب ، أنهم إما أن يريدوا به في الجملة أو في موضوع اللغة ، والثاني باطل للاستقراء بوجوده ، والأول باطل بالعموم ; لأنه قد خاطبنا به ، وهو يريد الخصوص فيه .

                                                      الثاني مرادنا بوقوعه في القرآن على نحو أساليب العرب المستعذبة ، لا المجاز البعيد المستكره . وقد توسع فيه قوم فضلوا . قال الطرطوشي : من هذا الأصل العظيم أعني المجاز في القرآن ضل أكثر أهل الأهواء والضلالات في تأويل أكثر الآيات ، قال : وكذلك من جهة وجود المجاز في التوراة والإنجيل والزبور غلطت اليهود والنصارى في تأويل كثير منه .

                                                      [ ص: 52 ] وقد قال بعض علمائنا : إن القدرية قد ركبوا هذا فحملوا آيات كثيرة من القرآن هي حقائق على المجازات ، كقوله تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } قالوا : ليس فيه دليل على كونه حقيقة ، وإنما هو إخبار عن سرعة إيجاده لأفعاله ، وقالوا في قوله تعالى : { قالتا أتينا طائعين } إن هذا مجاز نحو امتلأ الحوض ، وقال : قطني ، وأنكروا أيضا قول جهنم : { هل من مزيد } وقوله تعالى فيها : { تدعوا من أدبر وتولى } وزعموا أن معناه مصير من أدبر وتولى إليها ، وهذه تأويلات استنبطوها على قواعدهم الفاسدة ، وليس في وجود المجاز في القرآن والسنة ما يوجب تأويل الحقائق على المجاز . وقول السماوات والأرض عند علمائنا حقيقة ، وإنما اختلفوا في صفة الحقيقة فقال الأشعري : الحياة شرط في النطق يخلق الله فيها الحياة في وقت نطقها ، ف { قالتا أتينا طائعين } . والقلانسي من أصحابنا لم يشترط الحياة في الكلام وأجاز وجود الكلام في الجمادات بأن يخلق فيها الكلام وغير ذلك . وقال صاحب " المصادر " يشترط أن يكون في الخطاب بالمجاز وجه زائد على ما ثبت بالحقيقة خلافا لمن قال : يجوز أن يتساوى الحقيقة [ ص: 53 ] والمجاز من جميع الوجوه عند الحكيم ، ثم يعدل عن الحقيقة ; لأن المخاطب بالمجاز عادل عن الحقيقة الموضوعة ، ويقصد إلى ما لم يوضع له ، وذلك لا يفعله الحكيم إلا لغرض زائد . ومن فوائده التعريض بزيادة الثواب ; لأنه يستدعي فكرا ونظرا كما يقول في الخطاب بالمتشابه ، ومنها كون الكلام أدخل في الفصاحة وأبلغ وأوجز .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية