الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 218 ] 41 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من نهيه أمته أن يقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، وأمره إياهم أن يقولوا مكان ذلك : ما شاء الله ، ثم ما شاء محمد

235 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، حدثنا شيبان يعني النحوي ، عن الأجلح ، عن يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس قال : { جاء رجل إلى النبي عليه السلام فراجعه في بعض الكلام فقال : ما شاء الله عز وجل وشئت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجعلتني مع الله عدلا ، لا ، بل ما شاء الله وحده } .

236 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، عن شعبة ، قال منصور بن المعتمر : أنبأني قال : سمعت عبد الله بن يسار عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تقولوا : [ ص: 219 ] ما شاء الله ، وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ، ثم شاء فلان } .

237 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا علي بن بحر القطان ، حدثنا هشام بن يوسف ، عن معمر ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة قال : { رأى رجل من أصحاب النبي عليه السلام في النوم قوما من اليهود ، فأعجبته هيئتهم فقال : إنكم قوم لولا أنكم تقولون : عزير ابن الله ؟ قال : وأنتم قوم لولا أنكم تقولون : ما شاء الله ، وشاء محمد ، ثم إنه رأى قوما من النصارى فأعجبته هيئتهم فقال : إنكم قوم لولا أنكم تقولون : المسيح ابن الله . قال : وإنكم قوم لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد . فلما أصبح قص ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه السلام : قد كنت أسمعها منكم فتؤذيني . فلا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله ، ثم شاء محمد } .

238 - حدثنا صالح بن شعيب بن أبان البصري أبو شعيب ، [ ص: 220 ] حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى وهو ابن سعيد ، عن المسعودي قال : حدثني معبد بن خالد ، عن عبد الله بن يسار ، عن قتيلة بنت صيفي الجهنية قالت : { أتى حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، نعم القوم أنتم ، لولا أنكم تشركون . قال : سبحان الله ، وما ذاك ؟ قال : تقولون إذا حلفتم : والكعبة ، فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : إنه يقال فمن حلف منكم فليحلف برب الكعبة ، ثم قال : يا محمد ، نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا . قال : سبحان الله ، قال : تقولون : ما شاء الله وشاء فلان . فأمهل رسول الله عليه السلام ، ثم قال : إنه قد قال من قال . فمن قال : ما شاء الله فليقل معها ، ثم شئت } .

239 - حدثنا فهد ، حدثنا موسى بن داود ، حدثنا المسعودي ، عن معبد بن خالد ، عن عبد الله بن يسار الجهني ، عن قتيلة بنت صيفي الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال أبو جعفر : فكان فيما روينا في هذا الباب عن رسول الله [ ص: 221 ] صلى الله عليه وسلم { نهيه أمته أن يقولوا : ما شاء الله وشئت ، وأمره إياهم أن يقولوا مكان ذلك : ما شاء الله ، ثم شئت } .

قال قائل : فإن في كتاب الله تعالى ما قد دل على إباحة هذا المحظور في هذه الأحاديث ، ثم ذكر قوله تعالى : أن اشكر لي ولوالديك ولم يقل : ثم لوالديك ، فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله أن هذا مما كان مباحا قبل نهي رسول الله عليه السلام عن مثله في هذه الأحاديث ، ثم نهى عما نهى عنه في هذه الأحاديث ، فكان ذلك نسخا لما قد كان مباحا مما قد تلوته قبل ذلك ، ومذهبنا أن السنة قد تنسخ القرآن ؛ لأن كل واحد منهما من عند الله ينسخ ما شاء منهما بما شاء منهما ، ولأنا قد وجدنا كتاب الله قد دلنا على ذلك ، وهو قوله فيه : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : { خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } .

240 - كما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله ، عن عبادة بن الصامت ، { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر ، والثيب بالثيب ، البكر يجلد وينفى ، والثيب يجلد ويرجم } .

241 - وكما قد حدثنا يونس ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا [ ص: 222 ] شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان الرقاشي ، عن عبادة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله .

242 - وكما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، أخبرنا منصور ، عن الحسن ، حدثنا حطان ، عن عبادة قال : قال رسول الله عليه السلام : { خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } .

قال أبو جعفر : أفلا ترى أن الله تعالى قد قال في كتابه في اللاتي يأتين الفاحشة ما قال ، ثم قال : أو يجعل الله لهن سبيلا فكان حدهن قبل أن يجعل لهن سبيلا ما ذكره في هذه الآية ، ثم جعل لهن سبيلا فيها حدا يخالف ذلك الحد المذكور في تلك الآية ، فدل ذلك أن السنة قد تنسخ القرآن كما ينسخ القرآن القرآن ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية