الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      باب من التأنيث والتذكير

                                                                                                                                                                                                                      46- أما قوله: (تجزي نفس عن نفس شيئا)

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 95 ] فهو مثل قولك: "لا تجزي عنك شاة" و"يجزي عنك درهم" و "جزى عنك درهم" و"جزت عنك شاة". فهذه لغة أهل الحجاز لا يهمزون. وبنو تميم يقولون في هذا المعنى: "أجزأت عنه وتجزئ عنه شاة" وقوله "شيئا" كأنه قال: "لا تجزي الشاة مجزى ولا تغني غناء". وقوله: (عن نفس) يقول: "منها" أي: لا تكون مكانها.

                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله: (ولا يقبل منها شفاعة) فإنما ذكر الاسم المؤنث لأن كل مؤنث فرقت بينه وبين فعله حسن أن تذكر فعله، إلا أن ذلك يقبح في الإنس وما أشبههم مما يعقل. لأن الذي يعقل أشد استحقاقا للفعل؛ وذلك أن هذا إنما يؤنث ويذكر ليفصل بين معنيين. والموات كـ "الأرض" و "الجدار" ليس بينهما معنى كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبه بالموات، وما يعقل يشبه بالمرأة والرجل نحو قوله: (رأيتهم لي ساجدين) لما أطاعوا صاروا كمن يعقل، وقال: (ولو كان بهم خصاصة) فذكر الفعل حين فرق بينه وبين الاسم، وقال: (لا يؤخذ منكم فدية) وتقرأ : (تؤخذ) وقد يقال أيضا ذاك في الإنس، زعموا أنهم يقولون "حضر القاضي امرأة". فأما فعل الجميع فقد يذكر ويؤنث لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث للفصل؛ ألا ترى أنك تؤنث جماعة المذكر فتقول: "هي الرجال" و"هي القوم"، وتسمي رجلا بـ "بغال" فتصرفه؛ لأن هذا تأنيث مثل التذكير، وليس بفصل.

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 96 ] ولو سميته بـ "عناق" لم تصرفه؛ لأن هذا تأنيث لا يكون للذكر، وهو فصل ما بين المذكر والمؤنث تقول: "ذهب الرجل" و"ذهبت المرأة" فتفصل بينهما. وتقول: "ذهب النساء" و"ذهبت النساء" و"ذهب الرجال" و"ذهبت الرجال". وفي كتاب الله: (كذبت قوم نوح المرسلين) و : (وكذب به قومك) . قال الشاعر: [ الأخطل ]:


                                                                                                                                                                                                                      (72) فما تركت قومي لقومك حية تقلب في بحر ولا بلد قفر

                                                                                                                                                                                                                      وقال: (وجاءهم البينات) : (وقال نسوة في المدينة) . قال الشاعر

                                                                                                                                                                                                                      أشد من ذا وقد أخر الفعل

                                                                                                                                                                                                                      ، قال: [ الأعشى ]:


                                                                                                                                                                                                                      (73) فإما تري لمتي بدلت     فإن الحوادث أودى بها أراد

                                                                                                                                                                                                                      "أودت بها" مثل فعل المرأة الواحدة يجوز أن يذكر، ذكر هذا. وهذا التذكير في الموات أقبح وهو في الإنس أحسن، وذلك أن كل جماعة من غير الإنس فهي مؤنثة تقول: "هي الحمير" ولا تقول: "هم". إلا أنهم قد قالوا: "أولئك الحمير"، وذلك أن "أولئك" قد تكون للمؤنث والمذكر تقول: "رأيت أولئك النساء". قال الشاعر: [ جرير ] [ ص: 97 ]

                                                                                                                                                                                                                      (74) ذمي المنازل بعد منزلة اللوى     والعيش بعد أولئك الأيام

                                                                                                                                                                                                                      47- وأما قوله: (وإذ نجيناكم من آل فرعون) و : (وإذ فرقنا بكم البحر) [50] وأمكنة كثيرة، فإنما هي على ما قبلها، إنما يقول: "اذكروا نعمتي" و"اذكروا إذ نجيناكم" و"اذكروا إذ فرقنا بكم البحر" و"اذكروا إذ قلتم يا موسى لن نصبر" وقال بعضهم "فرقنا".

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية