الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان :

يتبين من النصوص أن جمع أبي بكر يختلف عن جمع عثمان في الباعث والكيفية .

فالباعث لدى أبي بكر -رضي الله عنه- لجمع القرآن خشية ذهابه بذهاب حملته ، حين استحر القتل بالقراء .

[ ص: 128 ] والباعث لدى عثمان -رضي الله عنه- كثرة الاختلاف في وجوه القراءة ، حين شاهد هذا الاختلاف في الأمصار وخطأ بعضهم بعضا .

وجمع أبي بكر للقرآن كان نقلا لما كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب . وجمعا له في مصحف واحد مرتب الآيات والسور . مقتصرا على ما لم تنسخ تلاوته ، مشتملا على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن .

وجمع عثمان للقرآن كان نسخا له على حرف واحد من الحروف السبعة ، حتى يجمع المسلمين على مصحف واحد . وحرف واحد يقرءون به دون ما عداه من الأحرف الستة الأخرى . قال ابن التين وغيره : " الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان ، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته ، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد ، فجمعه في صحائف ، مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعضه ، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك ، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره ، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش ، محتجا بأنه نزل بلغتهم ، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر ، فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت ، فاقتصر على لغة واحدة " وقال الحارث المحاسبي : " المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار ، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن ، فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق “ .

وبهذا قطع عثمان دابر الفتنة ، وحسم مادة الخلاف ، وحصن القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان .

وقد اختلف العلماء في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق .

[ ص: 129 ] أ- فقيل : كان عددها سبعة . أرسلت إلى : مكة ، والشام ، والبصرة ، والكوفة ، واليمن ، والبحرين ، والمدينة . قال ابن أبي داود : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : كتب سبعة مصاحف ، فأرسل إلى مكة ، وإلى الشام ، وإلى اليمن ، وإلى البحرين ، وإلى البصرة ، وإلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحدا .

ب- وقيل : كان عددها أربعة ، العراقي ، والشامي ، والمصري ، والمصحف الإمام ، أو الكوفي ، والبصري ، والشامي ، والمصحف الإمام . قال أبو عمرو الداني في المقنع : " أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعلها أربع نسخ ، وبعث إلى كل ناحية واحدة : الكوفة ، والبصرة ، والشام ، وترك واحدا عنده " .

جـ- وقيل : كان عددها خمسة ، وذهب السيوطي إلى أن هذا هو المشهور .

أما الصحف التي ردت إلى حفصة فقد ظلت عندها حتى ماتت . ثم غسلت غسلا وقيل أخذها مروان بن الحكم وأحرقها .

والمصاحف التي كتبها عثمان لا يكاد يوجد منها مصحف واحد اليوم . والذي يروى عن ابن كثير في كتابه " فضائل القرآن " أنه رأى واحدا منها بجامع دمشق بالشام ، في رق يظنه من جلود الإبل ، ويروى أن هذا المصحف الشامي نقل إلى إنجلترا بعد أن ظل في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد فترة ، وقيل إنه احترق في مسجد دمشق سنة . 131 هجرية .

وجمع عثمان للقرآن هو المسمى بالجمع الثالث ، وكان سنة 25 هجرية .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية