الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              420 (15) باب

                                                                                              إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء ، وغسل الإناء سبع مرات

                                                                                              [ 215 ] عن أبي هريرة ; قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ، فليرقه ، ثم ليغسله سبع مرار .

                                                                                              وفي لفظ آخر : طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ، أن يغسله سبع مرات . أولاهن بالتراب .


                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 360 و 398 و 508 ) ، والبخاري ( 172 ) ، ومسلم ( 279 ) ، وأبو داود ( 71 - 73 ) ، والترمذي ( 91 ) ، والنسائي ( 1 \ 176 - 177 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (15) ومن باب إذا ولغ الكلب في الإناء

                                                                                              (قوله : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله ") في الصحاح : ولغ الكلب في الإناء ، يلغ ولوغا : إذا شرب ما فيه بطرف لسانه ، ويولغ : إذا أولغه صاحبه . قال الشاعر :


                                                                                              ما مر يوم إلا وعندهما لحم رجال أو يولغان دما

                                                                                              [ ص: 539 ] وحكى أبو زيد : ولغ الكلب بشرابنا ، وفي شرابنا ، ومن شرابنا ، ويقال : ليس شيء من الطيور يلغ غير الذباب . وقد تمسك الشافعي بظاهر الأمر بالغسل والإراقة ، وبقوله : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله " على أن الكلب نجس ، وعلى أن ذلك الماء والإناء نجسان ; بسبب لعابه ، ومع ذلك فلا بد عنده من غسل الإناء سبعا ، وذهب أبو حنيفة إلى القول بأن ذلك للنجاسة ، ويكفي غسل الماء مرة واحدة .

                                                                                              والمشهور من مذهب مالك : أن ذلك للتعبد لا للنجاسة ، وهو قول الأوزاعي وأهل الظاهر ; بدليل دخول العدد السبع ، ولو كان للنجاسة لاكتفي فيه بالمرة الواحدة ; وبدليل جواز أكل ما صاده الكلب من غير غسل . وذهب بعض أصحابنا : إلى أن ذلك لكون الكلب مستقذرا منهيا عن مخالطته ، وقصر هذا الحكم على الكلب المنهي عن اتخاذه ، وهذا ليس بشيء ; لأنه استنبط من اللفظ ما خصصه من غير دليل منفصل عنه .

                                                                                              وذهب أبو الوليد بن رشد : إلى أن ذلك معلل بما يتقى من أن يكون الكلب كلبا ، واستدل على هذا بأن هذا العدد السبع قد جاء في مواضع من الشرع على جهة الطب والتداوي ، كما قال : " من تصبح كل يوم بسبع تمرات من عجوة المدينة لم يضره ذلك اليوم سم " ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه : " أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن " ، ومثل هذا كثير ، وقد أورد على هذا : أن الكلب لا يقرب الماء ، وانفصل عن ذلك حفيده صاحب " كفاية المقتصد " : بأن ذلك لا يكون إلا في حال تمكن ذلك الداء به ، وأما [ ص: 540 ] في مباديه فيقرب الماء ويشربه ، وأولى هذه الأقوال كلها ما صار إليه مالك : في أنه تعبد ; لا للنجاسة ، وأنه عام في جنس الكلاب ، وفي جنس الأواني . وينبني على هذا الاختلاف في التعليل : الاختلاف في فروع كثيرة تعرف في الفقه .

                                                                                              و (قوله : " أولاهن بالتراب ") هذه الزيادة ليست من رواية مالك ، ولذلك لم يقل بها ، وقد قال بها جماعة من العلماء ، وقد رواه أبو داود وقال : " السابعة بالتراب " . وفي حديث عبد الله بن مغفل وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " عفروه الثامنة بالتراب " ، وبهذه الثامنة قال أحمد ، فهذه الزيادة مضطربة . ولذلك لم يأخذ بها مالك ، ولا أحد من أصحابه .




                                                                                              الخدمات العلمية