الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 57 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( : وإن كان محتاجا إليه لنفقة من تلزمه نفقته لم يلزمه الحج ; لأن النفقة على الفور والحج على التراخي ، وإن احتاج إليه لمسكن لا بد له من مثله أو خادم يحتاج إلى خدمته لم يلزمه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) أما إذا احتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته مدة ذهابه ورجوعه فلا يلزمه الحج ، لما ذكره المصنف ، قال أصحابنا : وكسوة من تلزمه كسوته وسكناه كنفقته ، وكذلك سائر المؤن ( أما ) إذا احتاج إلى مسكن أو خادم يحتاج إلى خدمته لمنصبه أو زمانته ونحوهما وليس معه ما يفضل عن ذلك فهل يلزمه الحج ؟ فيه وجهان : ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وكثيرون أو الأكثرون لا يلزمه ، وصححه الجمهور وممن قطع به مع المصنف القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وفي المجرد والدارمي والمحاملي والفوراني والبغوي وآخرون ونقله المحاملي في المجموع عن أصحابنا ، ونقل تصحيحه الرافعي عن الأكثرين ، وقاسوه على الكفارة ، فإنه لا يلزمه بيع المسكن والخادم فيهما ، وعلى ثيابه وما في معناها من ضروريات حاجاته .

                                      ( والوجه الثاني ) يلزمه الحج وبيع المسكن والخادم في ذلك ، وبهذا قطع الشيخ أبو حامد فيما نقله صاحب الشامل ، وقطع به أيضا البندنيجي ، صححه القاضي الحسين والمتولي ، وعلى هذا يستأجر مسكنا وخادما ، وفرق القاضي حسين بينه وبين الكفارة ، بأن لها بدلا ينتقل إليه بخلاف الحج ، والمذهب أنه لا يلزمه الحج كما سبق قالالمحاملي : ولم ينص الشافعي على هذه المسألة ، إلا أنه ذكر قريبا منها ، فإذا اشترطنا لوجوب الحج زيادة على المسكن والخادم فلم يوجدا عنده ، وعنده مال يصرفه فيهما ، ولا يفضل شيء لم يلزمه الحج ، هذا كله إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته ، وكانت سكنى مثله والعبد لائق بخدمة مثله ، فإن أمكن ببعض الدار ووفى ثمنه بمؤنة الحج ، ويكفيه لسكناه باقيها ، أو كانا لا يليقان بمثله ، ولو أبدلهما أوفى الزائد [ ص: 58 ] بمؤنة الحج فإنه يلزمه الحج هكذا صرح به الأصحاب هنا وكذا نقل الرافعي أن الأصحاب أطلقوه هنا ، قال : لكل في بيع الدار والعبد النفيسين المألوفين في الكفارة وجهان ، قال : ولا بد من جريانهما هنا وهذا لم ينقله عن غيره ، وليس جريانهما بلازم ، والفرق ظاهر ، فإن الكفارة لها بدل ، ولهذا اتفقوا على ترك المسكن والخادم في الكفارة واختلفوا فيهما هنا ، والله أعلم



                                      ( فرع ) لو كان فقيها وله كتب فهل يلزمه بيعها للحج ؟ قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : إن لم يكن له من كل كتاب إلا نسخة واحدة لم يلزمه ; لأنه يحتاج إلى كل ذلك ، وإن كان له نسختان لزمه بيع إحداهما فإنه لا حاجة به إليها ، هذا كلام القاضي أبي الطيب ، وقال في مجرده : لا يلزمه بيع كتبه إلا إذا كان له نسختان من كتاب ، فيجب بيع إحداهما وقال القاضي حسين في تعليقه : يلزم الفقيه بيع كتبه في الزاد والراحلة وصرف ذلك في الحج ، وكذا المسكن والخادم ، وهذا الذي قاله القاضي حسين ضعيف ، وهو تفريع منه على طريقته الضعيفة في وجوب بيع المسكن والخادم للحج ، وقد سبق أن المذهب لا يلزمه ذلك ، فالصواب ما قاله القاضي أبو الطيب فهو الجاري على عادة المذهب ، وعلى ما قاله الأصحاب هنا في المسكن والخادم ، وعلى ما قالوه في باب الكفارة وباب التفليس ، وقد سبق بيان المسكن والخادم في أول باب قسم الصدقات ، في فصل سهم الفقير ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية