الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون فاء التفريع تقتضي أن هذا الكلام متفرع على ما قبله من استحقاق المتقين جنات النعيم ، ومقابلته بتهديد المشركين بعذاب الدنيا والآخرة ، ولكن ذلك غير مصرح فيه بما يناسب أن يتفرع عليه هذا الإنكار والتوبيخ فتعين تقدير إنكار من المعرض بهم ليتوجه إليهم هذا الاستفهام المفرع ، وهو ما أشرنا إليه آنفا من توقع أو وقوع سؤال .

والاستفهام وما بعده من التوبيخ ، والتخطئة ، والتهكم على إدلالهم الكاذب ، مؤذن بأن ما أنكر عليهم ووبخوا عليه وسفهوا على اعتقاده كان حديثا قد جرى في نواديهم أو استسخروا به على المسلمين في معرض جحود أن يكون بعث ، وفرضهم أنه على تقدير وقوع البعث والجزاء لا يكون للمسلمين مزية وفضل عند وقوعه .

وعن مقاتل لما نزلت آية إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم قالت قريش : إن كان ثمة جنة نعيم فلنا فيها مثل حظنا وحظهم في الدنيا ، وعن ابن عباس أنهم قالوا : إنا نعطى يومئذ خيرا مما تعطون فنزل قوله أفنجعل المسلمين كالمجرمين الآية .

والهمزة للاستفهام الإنكاري ، فرع إنكار التساوي بين المسلمين والكافرين على ما سبق من اختلاف جزاء الفريقين فالإنكار متسلط على ما دار بين المشركين من القول عند نزول الآية السابقة أو عند نزول ما سبقها من آي القرآن التي قابلت بين جزاء المؤمنين وجزاء المشركين كما يقتضيه صريحا قوله ما لكم كيف تحكمون إلى قوله إن لكم لما تحكمون .

[ ص: 92 ] وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة وحرمان المشركين منه ؛ لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب قال تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ، وقال لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، وقال أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار وقال السموأل أو الحارثي :

سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم فليس سواء عالـم وجـهـول

وإذا انتفى أن يكون للمشركين حظ في جزاء الخير انتفى ما قالوه من أنهم أفضل حظا في الآخرة من المسلمين كما هو حالهم في الدنيا بطريق فحوى الخطاب .

وقوله أفنجعل المسلمين كالمجرمين كلام موجه إلى المشركين وهم المقصود بـ ( المجرمين ) ، عبر عنهم بطريق الإظهار دون ضمير الخطاب لما في وصف ( المجرمين ) من المقابلة ليكون في الوصفين إيماء إلى سبب نفي المماثلة بين الفريقين .

فلذلك لم يكن ضمير الخطاب في قوله ما لكم كيف تحكمون التفاتا عن ضمائر الغيبة من قوله ودوا لو تدهن فيدهنون وقوله إنا بلوناهم .

وإنما تغير الضمير إلى ضمير الخطاب تبعا لتغير توجيه الكلام ؛ لأن شرط الالتفات أن يتغير الضمير في سياق واحد .

و ( ما لكم ) استفهام إنكاري لحالة حكمهم ، ( فما لكم ) مبتدأ وخبر ، وقد تقدم في قوله تعالى قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله في سورة البقرة .

و كيف تحكمون استفهام إنكاري ثان في موضع الحال من ضمير ( لكم ) ، أي انتفى أن يكون لكم شيء في حال حكمكم ، أي فإن ثبت لهم كان منكرا باعتبار حالة حكمهم .

والمعنى : لا تحكمون أنكم مساوون للمسلمين في جزاء الآخرة أو مفضلون عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية